الزحف الأصولي.. والجنسية والوزير

الأصولية، ولأي دين أو مذهب انتمت، لا تموت، ليس لأنها صحيحة، بل لارتباطها العضوي أساساً بمصالح الآلاف، واعتماد قوتهم المالية والاجتماعية والسياسية عليها، بخلاف ما يتم جنيه من ورائها من ثروات ضخمة، وسيبقى الحال كذلك، طالما اختار أفراد في المجتمع البقاء على تشددهم وتخلفهم، وهو الأمر الذي نجحت دول كثيرة في الفكاك منه، كاليابان وكوريا والدول الإسكندنافية، بشكل خاص!
تراجعت في السنوات القليلة الماضية موجة الأصولية في الكويت بشكل واضح، لكنها عادت في الأسابيع الأخيرة، واكتسبت زخماً غير متوقع، تمثل في عدد من المؤشرات المربكة، والخطيرة. فقد دعا بنتاغون «الأوقاف»، في مبادرة غير مسبوقة، الجمهور لأداء صلاة الكسوف في 90 مسجداً، وتضمن القرار تحديد اليوم والساعة، علمياً، بناء على معطيات لم تكن أصلاً، متوافرة في زمن النبوة. لا أعترض طبعاً على القرار، لكن غالباً يبدأ «الزحف» بمثل هذا التعاميم، حيث تكون البداية بسيطة وبريئة، وخلال بضع سنوات تتحول إلى طقس وفرض واجب، ثم لعطلة رسمية.. وهكذا. وهذا ما رأيناه أيضاً في قرار وزير التربية المتعلق باعتبار الأسبوع الأخير من رمضان عطلة رسمية، بحجة التخفيف عن «أبنائنا». وفي السنة المقبلة سيشمل التعميم المدارس الخاصة، وبعدها سيتم التفكير في التخفيف عن طلبة الجامعات والمعاهد العليا، ثم يتطور الأمر، لتشمل العطلة العشر الأواخر، بدلاً من الأسبوع الأخير من رمضان، ثم يتطور أكثر ليشمل توقف الدراسة طوال شهر رمضان، الأمر الذي لم يعرفه المسلمون أصلاً في تاريخهم، فكيف وصلنا لهذا الحال، بحيث أصبح الأمر شاقاً في رمضان على 220 ألف طالب في المدارس الحكومية، في عصر الرخاء والمكيفات، ولم يكن شاقاً طوال التاريخ الإسلامي، وليس بشاق على طلبة المدارس الخاصة ومختلف طلبة الجامعات والمعاهد؟ وبالتالي المسألة ليست تطبيقاً لسنة أو عقيدة، بل هو الزحف البطيء والمستمر على الدولة المدنية، التي اعتقدنا يوماً أننا نعايشها. فكيف يمكن تقبّل تحرّك مختلف وسائل الإعلام، بإيعاز رسمي، بتصوير مطبخ شركة قامت باستخدام بيض فاسد في صنع الحلويات، ولم تتحرّك عدسة، نصف رسمية واحدة، لفضح استاذ قام بتخريب عقول طلبته بإعطائهم درجات اختبار كاملة، دون إجراء أي اختبار، لأن جناب الأستاذ مبتهج لوصول القوى الأصولية للسلطة في سوريا؟ في مطبخ الشركة قام فرد بتخريب معدة البعض، وتم فضحه بالصوت والصورة. وفي الجامعة تم تخريب عقل جيل كامل، ولم يهتم أي طرف بالأمر!

كما رأينا كيف أجرى أخيراً وزير التربية تعيينات واسعة في مختلف المناصب الخطيرة، لمسؤولين يعرف عن أغلبيتهم انتماءاتهم الدينية السياسية، سواء داخل الوزارة أو في مختلف الكليات الجامعية، في عودة خطيرة إلى تسييس المناصب التربوية.
* * *
يا معالي النائب الأول، لقد تعهدت بأن تعيد الكويت الأصلية لأهلها، فكيف سمحت لقوى التشدد بخطفها، والتحكّم في أخطر مؤسساتها؟ فالكويت ليست فقط بطاقة جنسية، بل هي وطن حر ومتمدّن ومنفتح وجميل.. للجميع.


أحمد الصراف


الارشيف

Back to Top