سيرة الكاتب.. وأخلاق الرسام

يتساءل الزميل الأستاذ سمير عطا الله: هل تقرأ لكاتب بعد معرفتك أن حياته الخاصة كانت شديدة الرداءة؟ الأكثرية تقول إن المهم هو النتاج، وليس صاحبه. أنا رجعي تقليدي، ومن أصحاب الرأي الثاني. فليس بإمكاني أن أقرأ إنساناً غارقاً في القرف.

أتفق مع العزيز عطا الله، وأتفق أيضاً مع أصحاب الرأي الآخر!

هناك، برأيي، كاتب وهناك كاتب! الأول يكتب في كل نشاط من رواية ومسرح وسيناريو أفلام وشعر وغناء. وعلى الرغم من كل إبداعاته، فإن أثره يبقى محدوداً في الرأي العام، مقارنةً مثلاً بكتّاب الأعمدة والمحللين السياسيين. فتأثير صحافي بوزن توماس فريدمان في تشكيل الرأي العام، وتغيير سياسات الحكومة أكبر وأخطر من مؤلف رواية، بيع منها الملايين. فأنا لا أطلب من الأخير غير الجانب الإبداعي في ما يكتب، وأعتبره فناناً، وليس مؤثراً influencer بالمعنى الحديث الدارج، وبالتالي تصبح حياته الشخصية، مثلها مثل حياة الرسام والمطرب والنحات، أمراً يخصه، بكل مثالبها، إن وجدت، لا علاقة للمعجبين بها، بل بأعمالهم. فمن الصعب علينا رفض أو إلغاء عبقرية بيكاسو أو ألبير كامو أو شارلي شابلن أو أورسون ويلز، أو أديث بياف، أو خالد النفيسي أو عبدالحسين، أو عادل إمام، لأمور شخصية تتعلق بهم.

أما كاتب العمود اليومي، المؤثر، خاصة إن كان من المتخصصين في الأمور السياسية أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، فالأمر مختلف، إلى حد ما. فمن المهم لدي معرفة خلفية الشخص، وسيرته واستقامته، قبل قبول أو تصديق آرائه. فمن الصعب التأثر أو الإعجاب أو الاقتداء أو تصديق ما يورده هؤلاء في العمود اليومي، إن كانوا أصحاب سيرة مقرفة أو غير سوية، فكُتّاب العمود المشهورون يؤثرون في الرأي العام، ويُثرون النقاشات، وهذا يتطلب تحليهم بقدر كاف من الحيادية، التي لا تأتي بغير وجود نزاهة ومصداقية.

كما يُحاسب كُتّاب العمود المؤثرون، من قبل صحفهم أو جمهورهم، بمعايير أعلى من الكتّاب الآخرين، وبالتالي عليهم بناء تحليلاتهم على الحقائق، وتجنّب التحيّز، والحفاظ على الشفافية، والبقاء بمنأى عن التأثيرات الخارجية، والتمسّك بأعلى القيم الصحافية، وأي خرق للثقة أو النزاهة قد يُضرّ بثقة الجمهور بهم وبالصحيفة التي يُكتب بها. فلا يمكن تصديق كاتب يصر في كل كتاباته على الادعاء بالمصداقية، والدقة، ورفض الاعتراف علنًا بالوقوع في أي خطأ، ثم يقوم فجأة، دون سابق إنذار، بتغيير قناعاته من قضايا قومية خطيرة بـ180 درجة، دون أن يعطي تفسيراً أو مبرراً لموقفه الجديد، ومع هذا يتوقع استمرار مصداقيته.

كما تتحقق الصحف، وهذا ما يفترض، من نزاهة كاتب العمود من خلال مجموعة من الإجراءات، تشمل الإشراف التحريري، التحقق الدقيق من صحة المعلومات، والالتزام بالمبادئ الأخلاقية، والمراجعة الدورية للسلوك والعمل، ووضع قواعد أخلاقية وتحريرية صارمة، مثل تلك التي تتطلب الشفافية، والإسناد، وتجنّب تضارب المصالح، ووقف أي خرق أو تلفيق أو تحيّز غير مقبول، والتحقق من صحة مصادر معلوماته، وخاصةً تلك المثيرة للجدل، كما تتشكل سمعة كاتب العمود أيضاً من خلال ملاحظات الزملاء والجهات الرقابية الخارجية وشكاوى القراء، مما يستدعي مراجعة إضافية في حال وجود أي شك في نزاهته. وبتطبيق هذه الأنظمة، تعمل الصحف المرموقة على ضمان التزام كتّاب أعمدتها بالنزاهة والحفاظ على ثقة الجمهور.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top