مبالغات الأستاذ النفيسي

هذا المقال ليس دفاعاً عن إيران، فلها شعب وحكومة يدافعان عنها، وليس قدحاً أو ذماً في أحد، فلكل إنسان احترامه ومكانته، ويجب ألا يجري اعتباره محاولة دفاع عن الحكومة الإيرانية، فقد نالنا منها ما يكفي، بل هو محاولة لتوضيح حقيقة قد تكون غائبة عن الكثيرين، ومحاولة لإطفاء فتيل الطائفية المشتعل، الذي سيحرقنا جميعًا يومًا ما، إن تركناه على اشتعاله.
كرر السيد عبدالله النفيسي الأكاديمي والباحث والسياسي، وكرر غيره القول في أكثر من مقابلة ومحاضرة أن الفرس يكرهون العرب!
لا أعتقد شخصياً بدقة هذا كلام بالمطلق، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك فئة في كل شعب تكره غيرها من الشعوب، بدرجة أو بأخرى، فهذه طبائع البشر، وبالتالي يجب ألا ننزعج من حقيقة وجود عرب يكرهون الفرس بالقدر نفسه أو أقل أو أكثر.
كما من الصعب تخيل تقبل شعب يعتقد أنه صاحب حضارة، فكرة هزيمته المنكرة على يد من يعتبرونهم غزاة جاؤوا من الصحراء، لا يملكون من حطام الدنيا غير ما عليهم من لباس، وما يمتطون من دواب، ولكن هذا كان مصير شعوب كثيرة أخرى دخلها العرب المسلمون، ولا يبدو أن أمرهم يهمنا، أو أن بيننا وبينهم تلك الحساسية. ولو صح القول ان جميع الإيرانيين أو غالبيتهم يكرهون العرب، فكيف يمكن تفسير تمسك هؤلاء بدين النبي العربي، واستماتتهم، عاماً بعد آخر على الحج، واعترافهم غير المنقوص بفضل العرب ونبيهم عليهم، ديناً ولغة وثقافة؟!.
يقول النفيسي في معرض هجومه على الفرس: «إن ديوان الشاهنامة أو ملك الكتب، للشاعر أبوالقاسم الفردوسي، قد تضمن نصوصاً شعرية مخجلة ومهينة بحق العرب}.
ولشكي في ما ذكره النفيسي، بسبب تكرار مبالغاته الأخرى، فقد عدت إلى نسخة الشاهنامة لدي، طبعة دار سعاد الصباح، إضافة لاستشارة صديق مطلع، فتبينت لي الحقائق التالية:
يعتبر ديوان الفردوسي إحدى روائع الأدب والفن العالمي، والديوان يحتوي على 60 ألف بیت شعر من الملاحم والحكم والأخلاق والقصص، التي تعتمد في غالبها على الأساطير الإيرانية القديمة، التي نجح الفردوسي من خلالها في إحياء وإثراء اللغة والأدب الفارسيين من دون أن يذم أحداً.
ترجم الفتح بن علي البنداري الأصفهاني، المتوفى عام 1245، الديوان إلى العربية، ولم تصدر طبعته الأولى إلا بعد 700 عام في القاهرة، التي قام بمراجعتها وتنقيحها والإضافة عليها الأستاذ الجامعي عبدالوهاب عزام، ثم قامت دار سعاد الصباح عام 1993 بإعادة طبع الديوان، وعلق على الطبعة الأديب جمال الغيطاني، كما نشر الأديب طه ندا بحثاً قيماً عن الشاهنامة، لتعود دار سعاد الصباح وتصدر الطبعة الثالثة منه عام 2014.
ولو كان ما ذكره النفيسي صحيحاً، ونشك كثيراً في ذلك، فأين كان المدققون والناقدون العرب، والمعادون لإيران في مصر وغيرها، طوال قرن تقريباً من تلك الأبيات الكريهة بالفعل، التي ادعى النفيسي أنها وردت في كتاب الشاهنامة؟ وكيف يمكن تقبل فكرة أن الديوان كان موضع احتفاء من المحيط العربي من القرن السابع الهجري وإلى اليوم، لو كان بالفعل يتضمن تلك الأبيات المقززة، خاصة في النسخ الأصلية من الشاهنامة المحققة من قبل «مسکوط ومن «خالقي مطلق»؟
ما يهمنا هنا هو إعادة تأكيد أن إثارة النعرات القومية الطائفية ليس في مصلحة أحد، فما الذي يستفيده النفيسي أو غيره من زيادة الكراهية بيننا وبين أي شعب آخر، خاصة إن كانت تلك الكراهية مبنية على مغالطات ومبالغات، شايف كيف؟
***
نبارك لأحبتنا المسيحيين، شرقيين وغربيين، حلول عيد الفصح المبارك، متمنين لهم جميعاً سلاماً وطمأنينة أكبر.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top