أنا وراباي بيت المقدس

أقرت بريطانيا مؤخرا قانونا لمحاربة الرشوة يعاقب الجهات التي تدفع أموالا أو تقدم هدايا لمسؤولي الدول الأجنبية، بغية الحصول على وضعية تنافسية أفضل، وكسب عقود التجارة والمقاولات والاسلحة وغيرها. وفرض القانون عقوبات مشددة تصل إلى عشر سنوات سجناً، وغرامات مالية لا حدود لها على من تتم ادانته، وشمل القانون جميع الجهات في بريطانيا! ولو تمعنا في الجانب المادي لهذا القانون لوجدنا انه بالفعل يقلل من قدرة الشركات البريطانية على منافسة غيرها، وبالذات الدول التي لا تجرم مثل هذه الجرائم، وما أكثرها، فلهذا القانون جانبه الأخلاقي الذي لا يمكن إغفاله، والذي يبرز عظمة المجتمعات الغربية، فقد سبقت بريطانيا في إقرار مثل هذا القانون دول اسكندنافية عدة والولايات المتحدة، فالهدف منه ليس فقط حماية الدول الأخرى، والمتخلفة بالذات، من الفساد الإداري، بل وحماية الدول المعنية بإصدار القانون من خطر تفشي الفساد فيها، وجعل دفع الرشوة، حتى في الخارج، جريمة خطرة. وعلى ضوء ما أصبحت الإدارة الكويتية تشتهر به من فساد مالي وسياسي، فإننا سنلاحظ في السنوات المقبلة تضاؤل حصة الشركات البريطانية، وشركات الدول التي لا تسمح حكوماتها بدفع رشى، من عقود الإنشاء والتوريد المدني والعسكري.
هذا ما نحتاج الى تعلمه من الغرب، وليس التركيز على «التافه» من الأمور وكأن ليس لدى هؤلاء ما يشكرون عليه! ولو كانت الإدارة الحكومية الكويتية جادة ونظيفة حقا لما قبلت بغير التعامل مع شركات الدول التي تتعامل حكوماتها بصرامة ووضوح مع قضايا الرشوة الخارجية! ولكني هنا ابدو وكأني ذلك الـ«راباي» الذي قابلته صحافية في القدس، وسألته عما تحقق من أدعيته وصلواته لأربعين عاما أمام حائط المبكى، فنظر لها باستغراب وقال: ألا ترين يا ابنتي أنني أكلم حائطا من الحجر!

الارشيف

Back to Top