متى ينتهي هذا الجنون؟

«.. ما حدث في اليومين الماضيين على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية أمر يدعو إلى الدهشة والخوف والفخر والرعب، ومشاعر كثيرة أخرى مختلطة، لكن لا شك أن ضربة حماس الفلسطينية بينت فشل إسرائيل، وجهاز مخابراتها المرعب (!!) في توقّع الضربة القاتلة، على الرغم من كل تعقيداتها، وما تطلبته من استعدادات ضخمة، وتخطيط وتجنيد فدائيين، وما نتج عنها من مفاجأة باغتت كامل النظام الإسرائيلي، بزخمها وما نتج عنها من قتلى وأسرى في الجانب الإسرائيلي بالذات، بالرغم من كل سابق ادعاءات الموساد بالمعرفة والسيطرة والقوة، والتغلغل بين صفوف الفلسطينيين!
***
في أواخر الستينيات، كان شبتاي شافيت جاسوساً يعمل متخفياً لمصلحة الموساد في إيران. وفي التسعينيات أصبح رئيساً لجهاز المخابرات الإسرائيلي، ولعب دوراً رئيسياً في تحقيق معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994، وشكره الملك حسين شخصياً على دوره!

خدم شافيت تحت قيادة ثلاثة رؤساء وزراء، وقاد الموساد وإسرائيل خلال نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وحرب الخليج الأولى، وصعود الإرهاب العالمي والانتشار النووي، وفترة من التقارب المتقطع مع الفلسطينيين. كما كانت له يد في الكثير من عمليات الاغتيال، التي طالت شخصيات سياسية وفدائية فلسطينية.

ولد شبتاي شافيت عام 1939، وهو ابن مدير مدرسة، وتعلّم العربية صغيراً من جامعي الزيتون الفلسطينيين، وتلقى تعليمه في حيفا، وخدم في البحرية، وحصل تالياً على البكالوريوس في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة العبرية، والماجستير من هارفارد، وجنده الموساد عام 1964، وبقي فيه لمدة 32 عاماً.

وبعد أن فاجأت القوات العربية إسرائيل في بداية حرب يوم الغفران عام 1973، ساعد في تنظيم دفاع الموساد في الكنيست ضد الاتهامات بأن أجهزة المخابرات قد فشلت. وقال لصحيفة «هآرتس» في عام 2013: «كان الموساد هو الكيان الوحيد في مجتمع الاستخبارات، الذي قام بما هو مطلوب منه وما هو أبعد من ذلك».
***
تقاعد شافيت عام 1996، وترأس معهداً لمكافحة الإرهاب، وقدّم المشورة لجهات عدة، بصفته رئيساً سابقاً للموساد، وكان معروفاً بحذره، وقال ذات مرة: «لم أندم أبداً على الأشياء التي لم أقلها». وفي السنوات اللاحقة (وهذا ما يهمنا) أصبح أكثر صراحة، عندما أعرب عن تأييده لحل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين، متسائلاً: «لماذا نعيش هنا؟ لماذا يستمر أحفادنا في خوض الحروب؟ ما هذا الجنون الذي تكون فيه الأرض أكثر أهمية من حياة الإنسان؟».

عارض شافيت بشدة الجهود التي بذلها بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، ووصفه بـ«قائدي المزعوم»، وأنه رئيس وزراء لا يتخذ القرارات كرجل دولة.

توفي شبتاي شافيت قبل فترة قصيرة عن 84 عاماً.

نتساءل مع شافيت، مع عودة الوعي له قبل مماته، بالرغم من كل جرائمه: متى سيعقل زعماء إسرائيل، ويدركون أن من الاستحالة القضاء على، أو حتى إسكات، شعب كامل يريد استرداد حريته وكرامته ووطنه؟

في تعليق للصحافي المعروف توماس فريدمان كتبه بالأمس: «عندما أحتاج عادة لخبر دقيق عن إسرائيل، أقوم بالاستعانة بالصديق ناحوم بارنأ، الكاتب المخضرم في صحيفة يديعوت، الإسرائيلية». أذهلني جوابه، فقد قال: «هذا هو أسوأ يوم أستطيع أن أتذكره من الناحية العسكرية في تاريخ إسرائيل، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم كيبور، الذي كان فظيعا!!».

وهناك بيننا من يقول بأن العملية برمتها متفق عليها بين إسرائيل وحماس!!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top