دلع.. بدر.. وكارو

قضيت الأيام القليلة الماضية في تصفح ثم التهام صفحات ثلاثة كتب!

توقفت في بعضها عند جمل محددة، وفكرت عميقا في أخرى، وأعجبتني فقرات فيها، وشدتني لها، وأعدت قراءتها، وغمرتني مشاعر فياضة وخوف، وباختصار استمتعت وتعلمت منها الكثير.
***
تقول دلع المفتي، في روايتها الجذابة «شمس منتصف الليل»: لم يكن من الممكن أن نكون أنا و«شمس» أكثر اختلافا. فبيئتها تختلف عن بيئتي وتربيتها تختلف عن تربيتي، حتى طباعها تختلف عن طباعي، فهي لا تشبهني في شيء، سوى الوجع! مشينا طريق الآلام نفسه، وشعرنا بالمشاعر ذاتها، تألمنا وتأملنا، أُحبطنا، يئسنا، ضعفنا قاومنا ثم عدنا!!

رواية دلع قوية ومليئة بالمشاعر الصادقة، ذكرتني بتجربتي الأولى مع كتاب «حياتنا الجنسية» للدكتور صبري القباني، وأنا في أوليات سنوات مراهقتي، حيث كنت أشعر بأعراض كل مرض كان الكاتب يتطرق له، معتقدا إصابتي به، وهكذا مع رواية دلع، حيث كنت أتصور أنني مع مؤلفة الكتاب ورفيقتها في رحلة آلامهن. أو عندما كنت أقرأ روايات شارلوك هولمز، لآرثر كونان دويل، حيث كنت، عند نقطة رعب ما، يتملكني خوف طفولي، فأغادر الغرفة لأكمل القراءة، وأنا جالس بين اخوتي.

رواية دلع قوية وموجعة، وتستحق القراءة بالفعل.
***
أهدتني السيدة سعاد البعجيان كتاب بدر البعيجان شبه الموسوعي «تطوير مصافي النفط... تحديات وإنجازات... سيرة ذاتية»، الذي سرد في 200 صفحة، أو ثلثه تقريبا ما يشبه كفاحه في وظائفه في شركة البترول، في بداية تأسيسها، وعمله في مختلف مصافي النفط، والمنشآت البترولية البحرية، التي تنقل في العمل بها، في ذكريات وتجارب حية ستستفيد منها حتما الأجيال القادمة. كما سرد في الثلثين الباقيين سيرة حياته الغنية التي بينت عمق تجاربه، وإخلاصه فيما قام بتنفيذه من مشاريع، أو التي أشرف على تنفيذها.

كتاب جدير بالإطلاع لمعرفة الجانب الأهم والأكثر صعوبة في تاريخ استكشاف وتكريرالبترول في الكويت.
***
الكتاب الثالث، الفريد والمميز، هو كتاب «رحلتي مع الحديد» للصديق كيراكوس قيومجيان، الشهير بـ«كارو»، الذي يحب بأن يوصف بـ «عاشق الحديد»، حيث سرد في صفحاته الـ330 قصة الحديد وقصته المستمرة منذ ستين عاما تقريبا، مع الحديد، باعتباره المادة التي تأسست عليها الحضارة الحديثة، والتي وصل عشقه لها لدرجة أصبح يميز رائحتها وحتى طعمها، بعد أن ورث العشق نفسه من والده.

يقول كارو في إحدى فقرات كتابه؛ دخلت مخزن حديد في إيطاليا، ووجدت عشرات القياسات من القضبان بلونها الأزرق الغامق الجميل، الخارج توا من الأفران، وكان المنظر الأجمل الذي يمكن أن تقع عليها العين.
***
كتاب «كارو» مليء بالمعلومات التاريخية والفنية، وحتى الشخصية، وقد يكون من الكتب النادرة جدا في مجاله، ويستحق الاقتناء حتما.

ملاحظة: لم يترك سفير أوروبي، أو بالأحرى يوناني، انطباعا جميلا، وتأثيرا ثقافيا رائعا بيننا، مثل ما فعل سفير اليونان «كونستانتينوس بيبيريجوس»، وأسرته الرائعة.

قضى الرجل بيننا سبع سنوات، مختلفة في كل شيء، وعندما قرر مغادرة الكويت، لتولي منصب رفيع في الخارجية اليونانية، وصلتني أكثر من 14 دعوة لـ«حفلة ودائعية» على شرفه، بمناسبة مغادرتهم البلاد، وهذا إن دل على شيء فعلى مكانته المميزة في قلوب كل من تعرف عليه.

نتمنى لسعادة السفير وأسرته كل خير فقد كانوا خير رسل لدولة صديقة وعزيزة علينا. 

الارشيف

Back to Top