إسرائيل بلا دستور لأنها بلا حدود

كتب محمد الريماوي مقالاً في موقع «العربي الجديد»، تحدّث فيه عن موجة الاحتجاجات الضخمة في إسرائيل على تعديلات نتانياهو القضائية، التي تتمثل أساساً بالرغبة في الحد من صلاحيات المحكمة العليا، ومن نطاق عملها، علماً بأن إسرائيل لا دستور لها، والمحكمة العليا تملأ هذا الفراغ، وأن هناك اتفاقاً ضمنياً على عدم الحديث عن الدستور، والاكتفاء بما يسمى «قوانين الأساس» التي يسنها «الكنيست»، واحتسابها بمنزلة مرجعية دستورية. هذا بينما كان منشئو إسرائيل على أرض فلسطين قد وعدوا، في البداية، ومنهم ديفيد بن غوريون، بوضع دستور للدولة بعد خمسة شهور على قيامها، ثم تراجع بن غوريون عن الفكرة، التي قد تقيد توسّع المشروع الإسرائيلي.

يعود سبب عدم وجود دستور مكتوب للانقسامات الدينية والأيديولوجية التي تميز المجتمع الإسرائيلي، مما يجعل من المتعذّر التوصل إلى اتفاق بشأن مصدر السلطات، إن كانت التوراة أم الكنيست. كما يصعب جداً الاتفاق على جعل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بنداً في الدستور، فالحريديم يرفضون التجنيد.

كما أن مساواة المواطنين الأوائل، وهم العرب، مرفوضة من منظور صهيوني، إذا كانت ستملي، أو تفرض عليهم التجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي.

ويعتقد الريماوي أن رفض وجود الدستور يكمن فيما سماه «حركية» هذه الدولة، وكونها مشروعاً مفتوحاً على المستقبل، وتهدف إلى تحقيق مطامح صهيونية مضمرة ومعلنة، وتتغير خرائطها منذ ثمانية عقود تقريباً، ولا تود الالتزام حالياً بحدود معينة، قد يتطلبها الدستور المقترح، وحلمهم الذي صرح به الحاخام أليعازر ميلاميد مؤخراً من أن حدود دولتهم تمتد من النيل إلى الفرات، عاكساً مطامع صهيونية لا تتعرض للنفي أو النقد لدى شرائح واسعة من الإسرائيليين، المؤمنين بأن إسرائيل قوية بما يكفي لتحقيق مزيد من المطامح.

ويلفت الانتباه إلى أن الجماهير، التي شاركت في المظاهرات العارمة التي هزت إسرائيل، رافضة تعديلات نتانياهو، فيما يتعلق بسلطات المحكمة العليا، لم يصدر عنها ما يتعلق بضرورة وجود دستور، أو الحاجة له، فهم، من هذه الناحية، يريدون استمرار الوضع القائم قبل طرح التعديلات لا غير، بما في ذلك استمرار احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، ومواصلة الغزو الاستيطاني (غير العشوائي)، على الرغم من أن هناك أقلية ضئيلة في صفوف هؤلاء تؤمن بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، غير أن صوت تلك الأقلية مقموع، حتى من أوساط المحتجين في شوارع تل أبيب.
***
ليس صحيحاً بالطبع ما ذكره الريماوي من أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة بلا دستور، فهناك بريطانيا ونيوزيلندا وكندا وغيرها.

وفي مقابلة مهمة أخيرة أجريت مع الصحافي توماس فريدمان، ذكر أن ما سهّل من مهمة الاختراق الذي قامت بها «حماس»، ضعف المعنويات الذي أصبح يتسم به المجتمع الإسرائيلي، بعد رفض نتانياهو المتكرر طلبات مئات آلاف المتظاهرين، على مدى أشهر، المتعلقة بعدم المس بصلاحيات المحكمة العليا، وبالتالي تشديد قبضة الحكومة عليها!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top