ظاهرة القصيمي.. وطمطمة الطبطبة

كان المفكّر السعودي عبدالله القصيمي (1907–1996) يصف العرب بأنهم ظاهرات صوتية. ولو سنحت له الفرصة لزيارة الكويت لربما وصفنا بالصفة نفسها، ولو كان لا يزال على قيد الحياة لوصف أغلب نوابنا، وخاصة المستميتين للعودة للأضواء، بذلك الوصف!
***
عندنا تتناقص شعبية النائب وتخفت الأضواء من حوله، ويفشل في تحقيق آمال وتطلعات من انتخبوه، ويعجز عن محاربة الفساد وتحسين أحوال الأمة المعيشية، ولجم التضخم، وإصدار التشريعات الضرورية، وتعديل القوانين البالية، لوجود من يقيد عنقه بجميل أفعاله، فإنه لا يجد مكاناً أفضل من «ساحة الإرادة»، لتفريغ غضبه والصراخ والمهايط، بمساعدة صاحب مقولة: "طماطم المرحوم" وليطالب، هو الاخونجي ومشاركوه من الشيوعيين وبقايا الثوريين، بمقاطعة المنتجات الغربية، ورفض قبول أوراق السفيرة الأميركية، وغير ذلك من مضحكات مبكيات، رغبة في البقاء في دائرة الضوء، أو العودة لها!

لا أدري حقيقة سبب كل هذا التشنج والصراخ من خلال مكبرات الصوت بحجة نصرة الشعب الفلسطيني، فالطريق لنصرة فلسطين معروف، فمتطوعو الهلال الأحمر، من الجنسين، وشاحناتهم الملأى بالأدوية والمعونات، لم يتجهوا بها لساحة الإرادة، لإجراء المقابلات والتصوير مع قنوات الصخب والإثارة، بل اتجهوا بصمت وهدوء نحو الحدود المصرية – الفلسطينية، وكانوا أول من دخل غزة، وأول من قدم المساعدات لمنكوبيها، وكان النواب الأشاوس، وتابعهم قفه في خدورهم يحلمون.
***
ليس هناك، خاصة في دولة مرفهة، أسهل من الكلام عبر مكبرات الصوت، وطلب مقاطعة الغرب، والدعاء بفناء إسرائيل، فصراخهم ذكرني بمقولة يمنية سمعتها بعد سنوات من الحرب الأهلية فيها بين الجمهوريين، المدعومين من مصر، والملكيين، المدعومين من السعودية، عام 1962، عندما قال ضباط جمهوري إنهم سيحاربون الملكيين حتى آخر قطرة دم في جسد آخر جندي مصري!

وهذا ما سيحدث في الكويت، لو فتح باب الجهاد، فإن هؤلاء الخطباء والمتشنجين، سيرسلون أبناء وأحفاد «غيرهم» للحرب وتحرير فلسطين، ليبقوا هم في الساحة يصرخون من خلال مكبرات الصوت: «يا فلسطين جينا لك»!
***
كشف نائب سابق، في لحظة حماس أصبحت تنتابه كثيراً، بانتظار رفع الحظر السياسي عنه، عما وصفه بـ«السر»، وكيف أنه قام سنة 2008 بدخول غزة والمشاركة في الحرب فيها، علماً بأن غزة لم تكن في حرب في تلك السنة.

بعد نزوله من المنصة، وهبوط «أدرينالين مواجهة الجماهير» لديه، اختلى به صحافي وسأله عن مشاركته في القتال، فتبيّن أنه دخل غزة عن طريق نفق من الحدود المصرية، وبقي هناك لساعات، وعاد أدراجه من حيث أتى. ويقال إن ذلك حدث أثناء عضويته في مجلس الأمة، وأنه استخدم تسهيلات السفارة للوصول للحدود، ودخول غزة، وأثار تصرفه الأرعن، وغير المشروع، السلطات المصرية تالياً، كونه نائباً في البرلمان، وفي زيارة رسمية لها.

أصبحت مصر في موقف محرج، بعد أن انكشف أمر زيارته غير المشروعة لغزة، وكاد أن يتسبب الأمر في وقوع أزمة دبلوماسية مع الكويت، ومع إسرائيل، لكن تمت «الطبطبة» على الموضوع، مقابل سكوت كل الأطراف عن إثارته، وهذا سبب صمت «الأخ» كل تلك السنوات عن الحادثة. فلا عمليات عسكرية شارك فيها، ولا حروب دخلها!

ويقال أيضاً إنه لا يزال حتى اليوم ممنوعاً من دخول مصر، بسبب تلك الحادثة.
***
إن الشعب الفلسطيني يستحق الاحترام والحرية، وفي غنى عن المتاجرين بدماء أبنائه، وهذه المزايدات الرخيصة التي أضرته أكثر مما أفادته، طوال 75 عاماً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top