شبعناهم شتائم...!

تذكرت المثل الكويتي «شبعناهم شتائم... شبعونا طراقات»، أي إننا أمطرناهم شتائم، فأشبعونا ضرباً وهزائم، تذكرته وأنا أقرأ فقرات من أحد كتب مدارسنا، التي تبيّن بوضوح أن من يضع مناهج التربية منفصل عن الواقع تماماً، أو أنه يضعها بتوجيهات سياسية ما.

من قراءة بضع صفحات من كتاب مدرسي وجدت أن همّ الأمة الأكبر، الذي يود «المربون الأفاضل» التركيز عليه، هو عداوة اليهود، وهذه مفهومة إلى حدٍّ ما، والقضاء عليهم، وهذه غير مفهومة ومحيرة، فعدد العرب نصف مليار نسمة، وفوقهم مليار مسلم، ولا يعقل أن يكون همّ كل هؤلاء القضاء على ملايين اليهود، فهذه كارثة أخلاقية وسياسية كبيرة. ولو كانت وزارة التربية تسمح بتعليم طلبة المدارس مادة «التفكير النقدي» أو critical thinking لاكتشف الطلبة سخف وركاكة ما يدرس لهم. فالمسألة ليست سيفاً وخيلاً وبيداء تتراكض فيها الجمال أو ترمح فيها الخيول، بل علماً وقوة وإنجازاً. فبدلاً من أن تطلب مني أن «أفني» عدوى من الوجود، من الأفضل أن تخبرني كيف أرفع من مقامي وشأني، علمياً واقتصادياً!

كما أن بعض نصوص الكتب المدرسية تبيّن الفارق في التفكير بيننا وبين من نود اعتبارهم أعداءنا، ومع هذا فشلنا، على مدى قرن من وجودهم الفعلي بيننا، في أن نتعلم لغتهم، أو نفهم طريقة تفكيرهم، أو أن تقوم، ولو جهة واحدة، بوضع دراسة تبيّن ليس فقط سبب استمرار هزائمنا أمامهم، بل ومعرفة سبب عجزنا عن الوقوف في الطابور!

كما تركز المناهج على أن عداوة «اليهود» للإسلام والمسلمين عميقة الجذور وقديمة، وهذا يتناقض، بصرف النظر عن مدى دقته، مع ما يقال في مختلف وسائل الإعلام، وما يكرره عشرات المعلقين عن تسامحنا التاريخي المعروف مع اليهود، مقارنة بما فعله الأوروبيون بهم!

كما تركز مناهجنا على أن اليهود من ناقضي العهود، وهذا يعني بصورة تلقائية أننا من حافظيها، وهذه كذبة أخرى يمكن أن تنطلي بسهولة على الطلاب والطالبات.

كما ورد في المناهج أن من أعظم الواجبات التي تقع على عاتق المسلمين مسؤولية الدفاع عن الإسلام، من خلال الالتزام بأحكامه، ومقاطعة منتجات الأعداء، وهذه قمة السخرية، ولا تحتاج لغير صاحب عقل متوسط الفهم ليرد باستحالة مقاطعة منتجات الغرب، ونحن في هذا الضعف، ولا علاقة للأمر بالإسلام.
***
مع الاختراق العسكري الذي حققته «حماس» مؤخراً، والذي رفع المعنويات، انشغلت بعض مدارس الأطفال «المتوسطة»، بنظارها المسيسين غالباً، عن مهام التدريس، بعملية تثوير الأطفال وتغذيتهم بـ«ثقافة» العداء، والدوس على الأعلام، واحتقار الغير، ودفعهم للمشاركة في عرض عسكري، وهم يحملون البنادق الخشبية على أكتافهم، متشحين بعلم وكوفية فلسطين، وهم يسيرون ضمن أدخنة المعارك، ويهتفون بهتافات الموت والقتل.. وغير ذلك، وهذا بالضبط ما يريد «أعداؤنا» أن ننشغل به عن الدراسة والتحصيل العلمي، علماً بأن مناهج التربية تخلو تماماً من المواد المتعلقة بكيفية القضاء على خلافاتنا، وقبول بعضنا لبعض، ووقف تشتتنا وتشرذمنا!

الخلاصة: نحن أعداء أنفسنا قبل أن يكون الغير عدونا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top