مشكلة النصارى في الأمة العربية

كتبت في عام 2014 المقال البسيط التالي، الذي اعتبرته مصادر عدة المقال الأكثر انتشارا في تاريخ الصحافة العربية(!!):

اخرجوا يا مسيحيو دمشق ويبرود ومعلولا من أوطاننا، واخرجوا يا مسيحيو الموصل ونينوى وبغداد من بلداننا، واخرجوا يا مسيحيو لبنان من جبالنا وودياننا، واخرجوا يا مسيحيو فلسطين والجزيرة من شواطئنا وترابنا، اخرجوا جميعا من تحت جلودنا، اخرجوا جميعا فنحن نبغضكم، ولا نريدكم بيننا، اخرجوا فقد سئمنا التقدم والحضارة والانفتاح والتسامح والمحبة والإخاء والتعايش والعفو، اخرجوا لنتفرغ لقتل بعضنا بعضا، اخرجوا فأنتم لستم منا ولا نحن منكم، اخرجوا فقد سئمنا كونكم الأصل في مصر والعراق وسورية وفلسطين، اخرجوا لكي لا نستحي منكم عندما تتلاقى أعيننا بأعينكم المتسائلة عما جرى؟

اخرجوا واتركونا مع مصائبنا، فلكم من يرحب بكم، وسنبقى هنا، بعيدين عنكم وعن ادعاءاتكم ومواهبكم وكفاءاتكم وعلمكم وخبراتكم، اخرجوا واتركونا مع التعصب والبغضاء والكراهية، اخرجوا فقد فاض بنا تحمل ما ادعيتموه من حضارة، فبخروجكم سنتفرغ لإنهائها، ومسح آثارها، وتكسير ما تركه أجدادكم من أوثان ومسخ وآثار من حجر وشعر ونثر وأدب، اخرجوا فلا العراق ولا مصر ولا سوريا ولا الكويت ولا فلسطين ولا الأردن ولا الشمال الأفريقي العطر النضر بحاجة لكم ولا لمن سكن بيننا قبلكم من غجر ويهود وحجر، اذهبوا واخرجوا وخذوا معكم الرحمة، فنحن بعد النصرة وداعش والقاعدة وبقية عصابات الإخوان وآخر منتجاتهم لسنا بحاجة للرحمة ولا للتعاطف، فالدم سيسيل والعنف سينتشر والقلوب ستتقطع والأكباد ستؤكل، والألسنة ستخلع والرقاب ستفك والركب ستنهار، وسنعود للطب القديم والمعالجة بالأعشاب وقراءة القديم من الكتب والضرب في الرمل على الشاطئ بحثا عن الحظ.

ارحلوا يا مسيحيون وخذوا معكم كل آثار وجثامين جبران وسركون بولس وبدوي الجبل وأنستاسي الكرملي ويوسف الصائغ وسعدي المالح، وأبناء تقلا واليازجي والبستاني والأخطل الصغير. كما خذوا معكم جامعاتكم ومستشفياتكم وأغلقوا إرسالياتكم، وحتى ميخائيل نعيمة لسنا بحاجة له ولا تنسوا مي زيادة وأبناء معلوف وصروف وأبناء غال وزيدان والخازن وبسارس وثابت والسكاكيني، فهؤلاء جميعا ليسوا منا ولسنا منهم.

نعم ارتحلوا عنا فإننا نريد العودة إلى صحارينا، فقد اشتقنا إلى سيوفنا وتربتنا ودوابنا، ولسنا بحاجة لكم ولا لحضارتكم ولا لمساهماتكم اللغوية والشعرية، فلدينا ما يغنينا عنكم من جماعات وقتلة وسفاكي دماء.

اغربوا أيها المسيحيون عنا بثقافتكم، فقد استبدلنا بها ثقافة حفر القبور!
* * * *
وفي السياق نفسه كتب الكاتب الفلسطيني عبد الغني سلامة، نصاً جميلاً ضمنه أسماء عدد كبير من مبدعي الأمة، وثوارها ومناضليها، وعباقرتها، من المسيحيين لا يتسع لسردها، ممن برزوا وأبدعوا في شتى المجالات، بصفاتهم الإنسانية، وليس كمسيحيين. وأضاف أن ما دفعه للكتابة عنهم ما أصبح يراه من تصاعد خطير في مشاريع تهجيرهم من البلدان العربية، خاصة في العقدين الأخيرين، وكأن جهات تعمل على تفريغ دولنا من مسيحييها، فنسبتهم في فلسطين وحدها انخفضت من 20 % إلى 2 %، ولأسباب معروفة غالبا. ونشاهد الأمر ذاته في عدد من دولنا، فأعدادهم في تقلص مخيف مستمر. علما بأن العداء لهم يزداد، ورفض التعددية يسود، على الرغم من أنها أمور تعتبر الأهم في بناء الحضارات، فقد كان التدمير نصيب كل المجتمعات التي ابتليت بالطائفية والعنصرية!

ما لا يقبله الكثيرون، ومنهم أصحاب قضايا وطنية، كما يقول الزميل سلامة إن الوجود المسيحي في البلدان العربية وجود أصيل؛ فالمسيحية ولدت ونشأت هنا، والمسيحيون ليسوا ضيوفا ولا طارئين على هذه البلاد، فهم من تربة هذه الأرض حتى قبل المسيحية نفسها، والمسيحي هو الذي أعطى النكهة المميزة لسحر الشرق، وأنه كان وما زال إحدى ركائز الحضارة العربية الإسلامية، ومن بين أهم مكونات الثقافة العربية بكل تجلياتها وأشكالها. فهم أول من طبع كتب المسلمين الدينية، بعد أن كان أزهر المسلمين يرفض ذلك. وكانوا السد أمام سياسات تتريك المنطقة العربية، لغة وثقافة، من قبل العثمانيين. وكانوا وراء خلق أول دائرة معرفية عربية، وأول من وضع قاموساً لغوياً، ولا يمكن إنكار دورهم في ترجمة العلوم المختلفة من اليونانية والسريانية إلى العربية!!

السؤال: من الذي همش دور المواطن العربي المسيحي في دولنا؟

مَن الذي دفعه للهجرة؟ ومن الذي منعه من تولي عشرات مناصب الدولة، في كل دولنا؟ من الذي رفض مصاهرتهم؟ من الذي تثاقل حتى عن دعوتهم لأفراحه؟ ومن الذي يمطرهم يومياً بوابل من أدعيته السلبية؟

ألسنا نحن؟ فكيف لأمة هذا موقفها، وهذه تصرفاتها، مع مكون وجزء أساسي منها، يمكن أن تنتصر في معاركها على أعدائها؟

أترك الجواب لكم!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top