الاختلاف على الفيل في المنهج

وضع علماء اجتماع فيلاً ضخماً في غرفة، وطلبوا من ثلاثة من فاقدي البصر وصفه، من دون معرفتهم المسبقة بماهيته، ومحاولة اكتشاف ما هو أمامهم.

بدأ كل منهم بتحسس الفيل الضخم الماثل أمامهم، وخرجوا بثلاثة انطباعات:

قال الأول: إنه كائن كبير من أربعة أعمدة ويقف على الأرض.

قال الثاني: إنه يشبه الثعبان تماماً!

وقال الثالث: لا بل هو مكنسة!

بينت إجاباتهم كمْ هم مختلفون، فبدأوا بالشجار، مع تمسّك كل منهم برأيه، وتطوّر الجدال لاتهامات بالجهل، وقلة المعرفة، ثم تشابك بالأيدي والضرب.
* * *
واضح أن الكفيف الأول أمسك بأرجل الفيل وتخيلها أعمدة.

أما الثاني فقد تمسك بخرطومه، وتخيله ثعبانا.

أما الثالث فقد أمسك بذيله وتخيله، لسبب ما، مكنسة. وجاءت تصورات كل منهم نتيجة معارفه وتجاربه السابقة في الحياة، من دون إعطاء تجارب الآخرين ما تستحق من أهمية، وأخطأوا جميعاً من دون أن يكون أي منهم كاذباً، وجاءت اختلافاتهم بسبب صعوبة إدراكنا أن للحقيقة أكثر من وجه. فحين نختلف فهذا لا يعني دائماً أن أحدنا على خطأ، فقد نكون جميعاً على صواب، أو نكون جميعاً على خطأ، فكل طرف يرى ما لا يراه الآخر، مثلما يطلب من شخصين متقابلين وصف قطعة عملة معدنية من جهته!

وبالتالي من الخطأ الإيمان التام بأن كل من ليس معنا فهو بالتالي ضدنا، فقط لأنه، لسبب خارج عن إرادته، لم يستوعب فكرة أن رأينا ليس بالضرورة صحيحاً لمجرد أنه رأينا، واحتمال أن يكون الرأي الآخر أكثر صحة، حتى لو كان مخالفاً لرأينا! وعلينا ألا نعتمد على نظرتنا «الأحادية» للأمور، وأن نستفيد من آراء الآخرين، فقد يرون أموراً، مهمة وخطيرة، ولكننا لا نستطيع رؤيتها من زاويتنا.

أقول ذلك من منطلق الخلافات العقائدية والسياسية لأفراد أو مكونات أي مجتمع، واعتقاد كل فرد وحزب وفريق أنه المحق، وأن ما يؤمن به من آراء، دينية أو سياسية، هو الصواب أو يمثل الحقيقة، وآراء غيره خاطئة وتستحق التسفيه، وغير قابلة للقبول، وهذا طبيعي ومن سمات البشر منذ فجر التاريخ، وسيستمر إلى الأبد، طالما كانت خلفياتنا الثقافية والتعليمية وتجاربنا في الحياة متفاوتة متنوعة، فعادة ما ينتج عن هذا التنوع الكثير من الجمال، إن تم التعامل معه بطريقة صحيحة، واعتباره آراء شخصية من حق الجميع الإيمان بها. لكن الأمر يختلف في المجتمعات المتخلفة، كمجتمعاتنا، حيث يصبح الاختلاف حاداً غالباً، ودموياً في أحيان كثيرة.

فعلى الرغم من إصرار الكثير على ترديد مقولة الشافعي بأن «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، فإننا غالباً ما نلجأ إلى ألسنتنا، ثم إلى أيدينا، وأحياناً كثيرة إلى أسلحتنا لنؤكد للآخر صحة رأينا.

وهذه من سمات مجتمعات لم تُعلّم أو تُربّى على فضيلة الاختلاف، وهذا من عيوب مناهجنا الدراسية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top