ثروات الأمم.. وقلّة حيلتها

كتبت قبل يومين مقالاً عن شيعة الكويت، ورد فيه النص التالي:
هل تساءل عقلاء الطائفة الشيعية: لماذا غالباً ما نجد هذه المظاهر، بكل ما تتضمنه من طقوس، في المجتمعات الأكثر فقراً والأقل تعليماً؟

أثارت الجملة البعض، وبينهم أقرباء وأصدقاء لهم احترامهم، كما لفتت نظر مغردين، ولكل منهم أسبابه وحججه المتعلقة بعدم دقة ما ذكرت!

لجميع من اعترض احترامي، لكنهم لم ينتبهوا لكلمة «غالباً»، التي تنفي التعميم، وهذا يعني أن هذه الطقوس الدينية قد تكون موجودة في أي مجتمع، بصرف النظر عن ثرائه أو فقره أو درجة علمه.

كما أن التعليم والثراء أمران نسبيان، لا يعنيان الكثير في «غالب الأحيان»، فامتلاك الثروة أو المال الكثير، نتيجة ميراث صحيح، أو صفقة مشبوهة، أو عمل غير أخلاقي، أو حتى تجاري أو صناعي شريف وجاد، لا يتبعه تلقائياً تحوّل مالك الثروة إلى شخص منطقي أو فهمان أو مثقف أو عالم، بل يبقى على ما هو عليه من علم أو جهل أو ذكاء أو غباء.

ففي دول مثل الهند وتايلند وغيرهما نجد عشرات علماء الفيزياء والرياضيات والاقتصاد يستمعون أو ينشدون بركة من يقل عنهم فهماً وعلماً، ولكن ميزته الأساسية، في نظر هؤلاء، أن لمسته مباركة، وشفاعته قوية، وصحبته رحمة، ولو كانت واسطته بقرة، فهم سعداء بما يعتقدون، وهذا حقهم الإنساني.

كما نجد في الكويت رجل دين هو الأشهر، والأكثر ثراء، ويتابعه الملايين، وظهوره في أي مكان عام يحدث ربكة وفوضى كبيرة، بالرغم من أنه قال في إحدى خطبه، على لسان أحد المفتين الكبار، أنه كان ينأى بنفسه عن الناس، ويجلس تحت عمود، وكان «الجن» يأتونه ويسألونه، ويجيبهم على أسئلتهم! وبالرغم من سماع اتباعه لما قال، فإن درجة «فهمهم» لم تنفرهم منه ومن سابق ولاحق غريب رواياته، وفتاواه!

نعود ونقول إن الأكثر فقراً، والأقل تعليماً، لا يعنيان بالضرورة قلة المال، ولا قلة العلم.

فالكويت، ودول شقيقة أخرى، متخمة بالثروات، بمختلف أنواعها، ولها قدرة كبيرة على خلق المال، وتستطيع الاستدانة بأفضل الشروط من الأسواق العالمية، ومع كل هذا تصنّف من قبل كل وكالات التصنيف والبنوك والهيئات العالمية بأنها من دول العالم الثالث، ولم يشفع لها ثراؤها «النقدي» الرهيب في إخراجها من ذلك التصنيف المتدني، فالثراء لا يجعل من الفرد شخصاً منطقياً أو مثقفاً أو حتى متعلماً. ولو نظرنا لدول مثل الدنمارك، أو سنغافورة، أو فنلندا، التي لا تمتلك ما تمتلكه الكويت من ثراء نقدي، وليست لديها أية ثروات طبيعية، لوجدناها، مع هذا، تصنّف كأفضل الدول في العالم، اقتصادياً وتعليمياً واستقراراً، وأيضاً تتبوأ شعوبها المراكز الأولى في مقاييس السعادة، ودخل الفرد فيها يبلغ ضعف دخل المواطن الكويتي، حيث يبلغ في فنلندا 55 ألف دولار للفرد، و70 ألفاً للدنماركي، و84 للسنغافوري، و41 ألف دولار، فقط، للكويتي، ومصدر الأرقام «البنك الدولي»!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top