تجربة مع الصمت

يؤمن أتباع جماعة أو طلبة «جامعة براهما كوماريز للروحانيات» -ولست أحدهم- بأن كل فرد منا بحاجة للحظات سكون وصمت في حياته كل يوم. وتمكن ممارسة هذا الصمت من خلال «التأمل» لساعة في الصباح المبكر، وساعة قبل الخلود الى النوم. ويرى بعض المختصين أن من المجدي عمليا ونفسيا، ممارسة الصمت والتوقف عن أداء العمل لدقيقة واحدة كل ساعة من اليوم. والصمت لنصف ساعة مثلا، لا يمكن أن يتحقق من خلال القراءة أو حتى من خلال الاستماع لصوت موسيقى هادئة، بل يجب أن يكون شاملا للعقل والجسد بتحريرهما من أنماط التفكير المعتادة، والخروج من أشراك الحياة والعمل، فهناك مساحات داخل كينونة كل منا يجب أن يقوم باستغلالها، كما المساحات غير المستغلة في الرئات الخاملة، وأن علينا السفر في رحلة الصمت من دون جواز سفر ولا فيزا ولا طائرة ولا قطار ولا حقائب، بل رحلة مع الذات داخل النفس البشرية.
وعلى الرغم من أننا في سفرنا الصامت هذا لا نحتاج حقائب، لكننا نحمل معنا أجسامنا وتفكيرنا ووظائفنا وعلاقاتنا المتشعبة. ولكن، هل سنشعر حقا بالراحة ونحن نتوقف عن التفكير في غالبية هذه الأمور والقضايا، علما بأن التوقف التام عن التفكير أمر مستحيل أصلا؟
كيف سنشعر ونحن نمارس الصمت؟ هل سنشعر بالراحة؟ هل علينا تغيير المكان أو المقعد أو ما نشاهده أمامنا؟ هل نحن بحاجة لمن يكون بجانبنا، ونحن نسير في رحلة الصمت تلك؟ ما الذي نراه من خلال عيوننا الداخلية، ونحن نقوم برحلة داخل أجسادنا ننتقل فيها من عضو لآخر؟ هل نحتاج، خلال الرحلة، أن نسأل أنفسنا بضعة أسئلة، مثل: ما السلام؟ ما الراحة النفسية وما التوافق مع الذات؟ ما الذي يمنعنا أن نكون في سلام مع النفس؟ ما العادات أو العواطف أو أنماط الحياة التي تمنعنا من السلام الداخلي؟
فكر في عملك وفي روحك وحاول أن تقارن بينهما. وعندما تعود من رحلة الصمت والسكون تلك يجب أن تسأل نفسك: كم من الأحقاد والضغائن قد تركت خلفك وكم من الحب والتسامح قد اكتسبت؟!
وهل كانت خلوتك مع النفس وصمتك العميق مجديين، وهل ستعود لممارسة هذا الصمت ولو لعشرين دقيقة يوميا؟ ربما البعض منا سيفعل ذلك، كما سأفعل ذلك بعد أن أضع التاريخ على هذا المقال وأنتهي من كتابته.

الارشيف

Back to Top