كلام الناس. ديوان المحاسبة.. وجولياني

دعانا ديوان المحاسبة للقاء مع وكيله، السيد عبدالعزيز الرومي. كان اللقاء مفيدا فقد بين لي امورا كنت اجهلها عن دور هذا الجهاز المهم وتاريخه.
شاركت في التعقيب بالقول ان تقارير الديوان تخلو تماما من المخالفات غير المالية، فالتركيز يقع برمته على المخالفات المالية، والكبيرة منها بالذات.
وبينت للوكيل أن مخالفة اليوم الطفيفة هي الغذاء الذي يتربى عليه مجرم الغد، وان من الضروري اعطاء اهمية كبيرة للمخالفات الادارية والتنظيمية التي تقع في كل جهة تخضع لرقابة الديوان، سواء ما تعلق منها بمدى الالتزام بالحضور او بمستوى النظافة او بتطبيق اللوائح والقوانين.
كان رد الوكيل سلبيا، حيث يعتقد أن وقتهم لا يكاد يكفي للكبير من الأمور. في كتاب the tipping point يورد مؤلفه مالكولم كودويل قصصا مؤثرة وذات مغزى عميق تتعلق بالطرق والوسائل التي لجأ اليها رجال امن وحكام ولايات ورؤساء بلديات وعمد، لتحويل مدنهم ومناطق عملهم إلى واحات امان بعد ان كانت مرتعا خصبا للجريمة والمجرمين. وتبين انهم جميعا، وبلا استثناء، رأوا ان عملية القضاء ومحاربة الجرائم والمخالفات الصغيرة لا تقل اهمية، ان لم تزد، عن عملية مكافحة وكشف الجرائم الكبيرة. فالجريمة الصغيرة هي الوعاء الاساسي الذي يغذي الجريمة الكبيرة بموردها الرئيسي. فقضايا كإلقاء القاذورات في الطريق او سرقة غطاء منهول او تجنب دفع رسوم وسيلة نقل عامة، او حتى ارتكاب مخالفة مرور عادية يجب ان ينظر اليها او تؤخذ بخفة!
قبل سنوات قليلة فقط كان يصعب السير ليلا، وحتى في بعض ساعات النهار، في 90% من شوارع مدينة نيويورك. وها هي اليوم اصبحت شيئا آخر. اما قطارات 'الأندركراون' فيها فقد كانت تشتهر بعدم الامان وقذارة ما هو مدون على جدرانها من عبارات غير لائقة وزيادة نسبة عدم دافعي قيمة تذاكرها!
ما ان اصبح جولياني عمدة للمدينة حتى وجه جل اهتمامه لمحاربة الجرائم الصغيرة. ونجح خلال سنوات قليلة في تحويل نيويورك لما هي عليه من مدينة رائعة. كما قام بتعيين رجل امن سابق رئيسا لمصلحة قطارات ما تحت الارض لتحويلها من الخسارة الى الربح وجعلها اكثر امنا ونظافة. قام هذا بتوظيف جيش من العمال وبحوزتهم كميات هائلة من فرش الدهان العريضة وكمية اكبر من الاصباغ. وكان دورهم ينحصر في نهاية اليوم بإعادة طلاء جدران هذه القطارات من الداخل والخارج بلون واحد. أتعب عملهم الصبية الذين كانوا يهوون الكتابة والرسم على القطارات من الداخل والخارج فتوقفوا بعد فترة، بعد ان رأوا ضياع جهودهم، وفنهم، سدى!
كما لاحظ هذا الضابط السابق ان الشرطة عاجزة عن ملاحقة جميع متجنبي شراء تذاكر الركوب بسبب كثرتهم وما تستغرقه عملية إلقاء القبض على شخص واحد من إجراءات طويلة، فما كان منه إلا أن عين عددا من الشرطة في كل محطة لإلقاء القبض على المخالفين ووضع الأصفاد في أيديهم وجعلهم يقفون امام جميع الركاب لساعات ليكونوا فرجة وعبرة للآخرين، قبل نقلهم إلى مركز الشركة وخلال فترة قصيرة حرص الجميع على شراء التذاكر، وهذا زاد من ايرادات الشركة ومكنها من زيادة قوة الأمن داخل القطارات والاهتمام برفع مستوى عرباتها!
نعود ونقول لوكيل الديوان، ولكل من يهمه الأمر، ان الاهتمام بمستصغر الشرر اليوم هو الذي يجنب البلاد الكثير من الجرائم والحرائق مستقبلا!

الارشيف

Back to Top