الماء والطراوة

انتشرت بين مستخدمي الإنترنت في الآونة الأخيرة رسالة، أو فيلم قصير، يبين خادمة آسيوية تقوم بالاعتداء على طفل صغير بضربه بطريقة مؤلمة وغير إنسانية بعصا في يدها، ويبدو ان مشاهد الفيلم حقيقية، وان التصوير تم، كما ذكر في الرسالة المرفقة به، بواسطة كاميرا تلفزيونية وضعها والدا الطفل في مكان سري لمراقبة تصرفات الخادمة مع طفلهما، بعد ان شاهدا تدهور حالته النفسية وكراهيته وخوفه الشديدين منها دون سبب واضح لهما.
وتضمنت الرسالة كذلك تحذيرا من سوء تصرفات الخادمات الآسيويات وضرورة عدم ترك الأطفال في عهدتهن، وانهن سيئات وشريرات، وان بعضهن مجرمات!
قد يكون هذا الكلام صحيحا بشكل عام، ولكنه ليس بالظاهرة، وبالرغم من اتفاقنا بان الأطفال الصغار بشكل عام يستحقون معاملة أفضل من والديهم، وتركهم في عهدة خادمة متواضعة التربية والتعليم وتحت رحمتها وإشرافها المباشر لساعات طويلة، جريمة في حق أي طفل!
إلا ان من المهم ان نعلم، ونحن كنا ولا نزال نستعين بخدم في منازلنا، وللكثيرات منهن دور في العناية بأطفالنا، بأن ما يصدر من بعضهن من تصرفات 'إجرامية' لا تعود بالضرورة، وفي أغلب الأحوال، لوجود نوايا مبيتة سيئة أو شريرة، بل قد يكون للأمر علاقة بالطريقة التي يتعامل بها والدا هؤلاء الأطفال المجني عليهم مع خدمهم وسوء معاملتهم لهن وحبسهن في شقق صغيرة مكتظة أو في بيوت كبيرة تحتاج الى خدمة مستمرة عبر طوابق عدة!
ان من الانصاف الاعتراف بان حالة الكثير من الخدم تدعو للشفقة حقا، كما ان الظروف المعيشية التي تعيشها غالبيتهن تدعو حقا الى الرثاء، وبالرغم من صحة ما يدعيه البعض من ان ظروف معيشتهن في الكويت أحسن بكثير من أوضاعهن المعيشية في بلادهن، فإن هذا صحيح فقط في أيام عملهن الأولى، وبعدها تبدأ الأعين بالتفتح وتبدأ مقارنة ظروف معيشتهن بظروف الأخريات من خدم المنازل، وهنا تبدأ رحلة الآلام والمعاناة ويبدأ التفكير في الانتقام!
ان الخادمة امانة في أعناقنا، ليس فقط لانها إنسانة بأمس الحاجة للعمل في أوضع المهن وأكثرها تعبا، وليس لأن وراءها زوجا مريضا أو أبا أو أما كبيرين في السن بحاجة الى المساعدة، أو أخا أو أختا بحاجة الى التعليم، بل لأن طريقة تعاملنا الحضارية والإنسانية معها هي التي تدفعها لأن يكون تعاملها معنا جيدا ومقبولا، لكي لا نقول مميزا.
لقد عملت الخادمات في بيوتنا، وبيوت الكثير من أصحابنا في السنوات الأربعين الماضية، وكان لهن دور كبير ومهم في تنشئة، ولا نقول تربية، ابنائنا، وما نجده الآن حولنا، بشكل عام، من ابناء اصحاء طبيعيين خالين من الأمراض النفسية والعقد، يبين بشكل واضح انك تحصل بقدر ما تعطي، أو كما يقول المثل المصري 'اديها ميه تديك طراوة'.
وقبل ان نقبل اتهام البعض لخدمهم بالتقصير والاهمال، والاجرام أحيانا، لننظر ونبحث في طريقة تعاملنا معهم، أو معهن!

الارشيف

Back to Top