صعوبة ان تكون إنسانا بحق

ورد الخبر غير الانساني والمخجل التالي في عدد القبس (26/5/2005) على لسان احد مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية 'ِِِاعلنت وزارة الشؤون أنها بصدد طرح مشروع قانون على مجلس الوزراء يسمح للابناء مجهولي الوالدين، او من في حكمهم، بالاستفادة من خدمة الايواء في وزارة الشؤون لحين صدور احكام بغير ذلك، او ابقائهم في دور الرعاية'!
وهذا يعني اننا وبعد كل هذا التقدم والانسانية اللذين ندعيهما ومختلف توصيات مؤتمرات الوسطية التي نصدرها، لانزال، وبسبب موروث فكر ديني محدد لا نعرف كحكومة وكأمة وكشعب كيفية التعامل مع ظاهرة الاطفال مجهولي الابوة، وكأنهم نبت شيطاني غريب، لم نعرف او نسمع به من قبل!! ومن الغريب والمخجل حقا ان هؤلاء اللقطاء، وبنص تصريح رسمي، يعاملون، ومنذ عقود طويلة، بطريقة غير انسانية بحيث حرم عليهم حتى حق الايواء في دار خدمة تابعة للشؤون، وفي دولة يبلغ دخلها السنوي من النفط فقط 40 مليار دولار، في الوقت الذي لا يزيد فيه عدد مواطنيها على المليون!
لن نتحدث هنا عن دولة او دولتين تشاركاننا هذا التجاهل غير الانساني والاعمى في طريقة التعامل مع هذه الفئة غير المحظوظة من الاطفال، ولكن ربما نكون الدولة الوحيدة في العالم التي تؤمن بنوع ما من التعامل الحضاري مع الانسان والتي لا تعرف حتى الآن، او بالاحرى لا تود ان تعرف كيفية التعامل بإنسانية مع الاطفال مجهولي الابوة.
فمن المعروف ان كافة دول العالم المتحضر، وبعضنا ليس منها، تمنح اللقطاء الذين يولدون بطريقة معروفة او غير معروفة على ارضها كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن الآخر، بصرف النظر عن لون بشرة او اعراق هؤلاء او سماتهم البشريةِ ولم يحدث ذلك اعتباطا او لوجود رغبة انسانية لدى تلك الدول في مساعدة هؤلاء اللقطاء، بل لان هذا هو الاسلوب الوحيد للتعامل مع حالاتهم.
لقد سبق ان تطرقنا قبل سنوات لمحنة هؤلاء، وطالبنا مسؤولي وزارة الشؤون بوضع حل نهائي لاوضاعهم المأساوية والمتمثلة في اصرار وزارة الداخلية على عدم الاعتراف بوجودهم، وبالتالي رفض منحهم حق المواطنة كما يفترض، بحجة ان سمات بعضهم تختلف كثيرا عن سماتنا العامة! وتظهر انهم مولودون لآباء او امهات من اصول 'عربية' او لم نتعود عليها.
نعود لتصريح مسؤول وزارة الشؤون ونقول انه من المخجل حقا ان نفكر الآن فقط في 'وضع' مشروع قانون امام مجلس الوزراء لاقرار منح هؤلاء الاطفال حق الايواء في دور وزارة الشؤون! علما بان حقهم في الايواء والرعاية وحمل جنسية الدولة التي ولدوا فيها، حق انساني بالدرجة الاولى ولا يحتاج بالتالي الى موافقة اعلى هيئة تنفيذيةِ فهذه الهيئة ستقوم، في احسن الاحوال، وبعد سنوات من البحث والدراسة والتمحيص والمراجعة، بإحالة مشروع القانون إلى هيئة الفتوى والتشريع التي سينام مشروع القانون في احد ادراجها، إما لعدم اهميته من وجهة نظر اللجنة واعضائها، او لتعارضه مع المفاهيم الدينية لبعضهم الآخر.
يا ناسِِ يا هوهِِ يا بشر ان المنطق يقول إن هؤلاء الابرياء احق بالرعاية والعناية من عشرات المشاريع الخيرية، الحقيقية والوهمية، التي تقام هنا وهناك!! ولكن منذ متى كان المنطق والحق الانساني اقوى بالاقتداء من منطق الفكر الديني؟
ان ما قام به برنامج السنعوسي من كشف لحجم هذه المأساة اكثر من جيدِ ولكن مشكلة هؤلاء 'التعساء' ستراوح مكانها لفترة طويلة قادمة، وستنتقل ملفاتهم من الصحة الى الشؤون، علما بان الامر يتطلب حلا جذريا حضاريا اسوة ببقية دول العالم، وهذا لا يمكن ان يتم دون البحث في الاسباب الحقيقية الكامنة وراء كل هذا التجاهل لاوضاعهم، والتي تكمن في صغر عقول البعض منا وغرابة طرق تفكيرنا، وهو الامر الذي يتطلب جرأة في المواجهة والاعتراف بأن الامر انساني اكثر منه دينيا.
***
ملاحظة:
لاحظ مواطن ان عمال شركة البترول العاملين في محطات الغسيل يعملون على تنشيف السيارات تحت درجة حرارة تزيد على الاربعين درجة بكثير، الامر الذي دفعه للاتصال باحد مسؤولي الشركة عارضا عليه انشاء مظلات واقية من الشمس لهم على حسابه الخاصِِ! شكره المسؤول على اريحيته وكرمه ووعده بإقامة المظلات خلال فترة قصيرة، وفي كافة محطات الغسيل، على حساب الشركة.
بقي ان نذكر ان المواطن هو هشام السلطان فشكرا لإنسانيته ولإنسانية المسؤول.

الارشيف

Back to Top