ثقافة 'عبدالله عزام

تظهر الطريقة التي يتصرف بها شخص ما الكثير من جوانب شخصيتهِ كما تظهر الأسماء التي نطلقها على أبنائنا أو ممتلكاتنا حقيقة الشخصيات التي تأثرنا بها أو التي كان لها دور في حياتناِ وكل ذلك جزء من ثقافة الفرد والمجتمع العامة، فكلما كان المجتمع بدائيا، كانت الرتبة في التسمية وتقليد الآخر أكثر شيوعا.

قام شاب مصري شديد التدين بتفجير قنبلة خلف المتحف المصري القريب من ميدان عبدالمنعم رياض في القاهرة، وأصاب عددا من السياح الأجانب، وقضى، بمحاولته تلك، على رزق آلاف المصريين المعتمدين على معيشتهم على مورد السياحة، وقام القاتل بعد تنفيذ عمليته بتفجير قنبلة في نفسه والقفز في مياه نهر النيلِ بعدها بساعتين قامت فتاتان مصريتان منقبتان باطلاق النار على حافلة قرب قلعة محمد علي تقل عددا من السياح الأجانب وأصيب البعض منهم بجروح خطيرة، وقتلتا، بمحاولتهما الإرهاربية تلك، السياحة في تلك المنطقةِ ثم قامت إحداهما بعدها باطلاق النار على شريكتها قبل ان تنتحر باطلاق النار على نفسها، عمدا!
لا نريد التعليق على ما ذكر عن فردية الحادثتين، وان من قاموا بهما ما هم إلا جماعة صغيرة شاذة لا شأن لها ولا أهمية لها، فمن الواضح أن الأمر أخطر من ذلك بكثير.
المهم في الأمر ان هاتين الحادثتين الارهابيتين وحادث الأزهر الذي سبقهما، وربما الحادث الارهابي الذي وقع في المدرسة الانكليزية في قطر، نفذت باسم 'الشهيد عبدالله عزام'! أي أن منفذي هذه الحوادث الإرهابية أطلقوا على انفسهم اسم من يعتقدون أنه النموذج الأمثل والقدوة التي يجب أن تقتدى في الحياة، وهو رأي تشاركهم فيه قيادة القاعدة من بن لادن والظواهري إلى بو غيث وغيره!
لا أعرف كيف سمع هؤلاء باسم 'عبدالله عزام'، ولا أعرف إن كانوا قرأوا 'أدبياته'، التي خلفها وراءه عن معجزات المجاهدين الأفغان في حربهم ضد القوات السوفيتية، ولكن من الواضح ان إطلاق اسمه على حركتهم والانتحار باسمه، إنما يعبر عن شديد إعجابهم بشخصه وبما يمثله من مبادئ وقيمِ وهذا يعني أن هؤلاء، ونسبة كبيرة من شعوبنا المغلوبة على أمرها، هم إما جهلة بسبب عزوفهم التام عن أي نوع من المطالعة الجادة، وحتى البسيطة، أو أكثر جهلا لميلهم الواضح لقراءة الغث من محتويات الكتب الصفراء والسحر والشعوذة من أمثال 'معجزات الأفغان في أرض طالبان'!
فكل من اطلع على 'الإنتاج الفكري' لعبدالله عزام وقرأ ما كتب، يتبين له بوضوح مدى سطحية تفكير وفهم هذا الإنسانِ الذي أصبح قدوة لأعتى الفرق الارهابية في التاريخِ فسطحية ما كتب، وبعد موضوعاته ليس عن العقلانية فقط، بل عن الطوباوية والمثالية التي قد تجذب البعض، وتركيزها الشديد على الكذب واختراع روايات وأحداث لم تقع قط، لم تترك مجالا لسوء فهم إلا في عقول أولئك الذين آمنوا جهلا برسالة ذلك الرجل وتناسوا دوره المخرب في أفغانستانِ فالرجل لم يكن يوما صاحب فكر أو مبدأ مثالي لكي يتبع أو يقلد او يضرب به المثل في العلم والمعرفةِ وعندما نعلم كم تأثر به الظواهري وبن لادن وسليمان ابو غيث ومئات المجاهدين غيرهم، نكتشف حجم هوة الفراغ في عقولهم.
'عبدالله عزام'، الذي يطلق عليه لقب 'شيخ المجاهدين الأكبر'، هو أستاذ مدرسة من أصل فلسطيني ومن خريجي الأزهر، نسي لربع قرن ان بلاده محتلة، ولهذا لم يرفع إصبعا للذود عنها طوال تلك الفترةِ ولكن عندما قرر الجهاد فقد البوصلة وولى وجهه شطر أفغانستان يريد تحريرها من السوفيت الأشرار بعد أن اكتشف ان أموال 'البترودولار'، التي بدأت تنساب ببركات العم سام من خلال مؤسسات الخير والبركة والخيرات ستتجه الى هناك بعد تحالف قواه مع قوى العم سام، المحلية والاقليمية!
إن مجرد إعجاب هؤلاء الارهابيين بشخصية 'عبدالله عزام' إلى درجة الانبهار، لخير دليل على سقم تفكيرهم وضلال طريقهمِ فلو كانت عقول هؤلاء وأفكارهم منفتحة على ثقافات الآخر، لتبين لهم بوضوح كم كانوا، ولا يزال الكثيرون منهم، على ضلال.
ولكن على من نقرأ مزاميرنا يا ترى؟

الارشيف

Back to Top