الجديد في عالم الاحتيال

يعتبر المال السائب او المال الذي لا صاحب له من اكثر الاموال التي يسيل لها لعاب السراقِ وتعتبر اموال الوقف عموما من الاموال التي يصعب تحديد مالكها في الحقيقة، وربما لهذا السبب كثرت التجاوزات المالية في بعض اللجان التابعة للامانة العامة للوقف، التي سبق ان تطرقنا، من خلال التلفزيون او الكتابة، لعشرات قضايا التبذير لملايين الدنانير، التي تم صرفها على مشاريع شبه وهمية، او غير مجدية لمجرد وجود نفوذ هنا او مصلحة شخصية هناكِ وتبين سجلات ومضابط مجلس الامة الكثير من 'البلاوى' التي وردت تفاصيلها في ردود الامانة العامة على اسئلة عضو مجلس الامة السابق المرحوم سامي المنيس.
قبل ثلاثة اشهر، قام عضو مجلس امة سابق ينتمي لواحدة من اكثر الحركات الحزبية والسياسية حجما وتمثيلا وادعاء تدين في مجلس الامة بزيارة وكيل وزارة مساعد ينتمي للتنظيم نفسه ويعمل في وزارة خدمات حيوية واساسية وعرض عليه مبلغ مليون دينار بالتمام والكمال مقدمة من 'فاعل خير'!! وذكر النائب السابق والوسيط في العملية بان فاعل الخير يرغب في صرف المبلغ على تجديد انظمة الكمبيوتر في تلك الوزارة.
قام المسؤول من فوره بتحويل الوسيط الى مدير ادارة المعلومات المختص ببرامج الحاسب الآلي، وطلب منه النظر في الامر وعدم تفويت هذه الفرصة الذهبيةِ بعد البحث والنقاش والعرض والطلب ومراجعة الامر من الناحية الفنية تبين للمسؤول بان المبلغ المعروض من 'فاعل الخير' مشروط بشراء الاجهزة وبرامج 'السوفت وير' من مصدر محدد، وان الوزارة سوف لن تتكلف في نهاية الامر شيئا، حيث سيقوم فاعل الخير بدفع كامل التكلفة للشركة المعنية!!.
بدا الامر في ظاهره مغريا، خاصة وان انظمة الوزارة الحالية متهالكة وقديمة وتحتاج الى تغيير سريع، اضافة الا ان العرض مغر وليس هناك ما يمنع الوزارة من قبول تبرع فاعل خير ولمبلغ كبير كهذاِ ولكن مدير الادارة الفطن والشريف اكتشف بعد الغوص في نوعية البرامج المحاسبية ونوعية اجهزة الحاسب الآلي المقدمة ان في الامر شيئا ما، وان التكلفة الحقيقية لكامل المشروع سوف لن تتجاوز نصف الثمن مما يعني ان جهة ما سوف تستفيد من الصفقة، ولكنه لم يستطع تفسير السبب الذي يدعو فاعل خير للتبرع للوزارة بيد ثم سحب تبرعه باليد الاخرىِ كما تبين له بعد مراجعة الامر مع المختصين والفنيين ان قبول ذلك العرض يشكل خطرا على عمل الوزارة حيث ان النظام الحالي، وبالرغم من كل نواقصه الا انه يؤدي الغرض المطلوب منه الى حد ما، وتغييره الى نظام غير موثوق به، ولو كان مجانا، فيه مخاطرة غير محمودة، وعليه قرر رفض عرض المليون دينار جملة وتفصيلا.
جن جنون الوكيل المساعد وحاول ثني مدير ادارة المعلومات عن رأيه بشتى الطرق والذي كان التهديد اقلها، ولكن هذا اصر على موقفه ورفض ان يتزحزح عنه، فقرر الوكيل المساعد عرض الامر على وكيل الوزارة الذي عرف اللعبة، بعد اخذ رأي مدير ادارة المعلومات، وتبين له ان 'الجماعة'، بالرغم من كل مظاهر الخشوع والتدين البادية عليهم واصرارهم المتكرر على انهم وسطاء لفاعل خير ولا يودون غير مرضاة الله ورسوله، نواياهم غير سليمة، وعليه طلب منهم اقناع 'فاعل الخير' بدفع مبلغ التبرع نقدا للوزارة التي ستقوم بدورها بتقديم كشف بالكيفية التي تم بها صرف المبلغ، او ان تقوم الوزارة بتقديم كشف بالاجهزة والمواد التي ترغب في الحصول عليها مع ذكر ثمن ومصدر كل مادة على ان يقوم فاعل الخير بتوريدها للوزارة على حسابهِ ولكن وسطاء فاعل الخير 'الخيرين جدا' رفضوا العرض واصروا على سابق رأيهم وطريقتهم في التبرع.
تبين بعد فترة ان الوسيط وهو النائب السابق، يعمل على ترويج مختلف المشاريع الانسانية لحساب احدى لجان الامانة العامة للوقف، ويستفيد بطريقة غير مباشرة وظاهرة من خلال الاشتراط على الجهة المستفيدة من المنحة او الهبة على شراء احتياجاتها من خلال مؤسسات او شركات محددة، وغالبا مع الجهات المستفيدة من اموال تبرع مجانية، ولا يكون لديها اية اعتراضات على مثل هذه الامور.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top