مخرج طاولة المفاوضات

تمعنت كثيرا في اللقطة المصورة التي قامت 'القبس' بنشرها على صفحتها الأخيرة لرجل الدين صاحب وقف الملايين من بيع السنابل الذهبية والفضية السيد احمد القطان وهو يعتمر غطاء رأس يمثل المسجد الأقصى، ويشبه فيه ممثلي المسلسلات الدينيةِ ودققت اكثر في سلاح 'النباطة' البدائي الذي كان يحمله بين يديه، وعادت بي الذاكرة الى ما يقارب الخمسين عاما عندما كان آخر عهدي بذلك السلاح في صيد الطيور الصغيرة بعد ان استبدلته بسلاح اكثر فعالية وكانت بندقية صيد صغيرة من نوع 'أم صجمة'!!
واكتشفت ان ما يفصلنا عن الإسرائيليين وصراع البقاء المحتدم بينهم وبيننا، والشعب الفلسطيني بالذات، هي تلك السنوات الخمسونِ حيث بقيت 'النباطة' سلاحنا بينما تغيرت الحال لديهم الى ما نراهم اليوم عليه.
يطالب الكثيرون، كما فعلوا لنصف قرن مضى، بعدم الاستسلامِِ وهذا جميل.
وينادي الأكثر بعدم التفاوض مع اليهود، لأنهم انجاس وقوم من المقامات الدنيا، وهذا يمكن تقبله على مضض.
وتطالب مجموعة اخرى بالمقاومة وهذا ممتاز ان كان بالإمكان تحقيق ولو جزء يسير منه.
وتقول مجموعة رابعة انه ليس لدينا ما نخسره فليمت الشباب ولتترمل النساء ولكننا سنحقق النصر في نهاية الأمر.
كما ان هناك اقوالا واقتراحات يتقدم بها كل من هب ودب، فخلال الخمسين سنة من الجهاد العربي والإسلامي ومقاومة التطبيع ورفض السلام والاستسلام وترداد مقولة انه ليس لدينا ما نخسره، لم نكتف بالبقاء في اماكننا تنمويا وتعليميا وثقافيا واقتصاديا وفكريا، بل تخلفنا في كل تلك المجالات عن دول كنا نسبقها في العديد من الميادين بسنوات.
وفي هذه الفترة بالذات اغتصبت اسرائيل اراضي عربية اخرى غير التي لم نرض لها بها اصلا وبنت دولتها وسلحت جيشها وقوت مؤسساتها التعليمية ورفعت من قيمة الإنسان لديها واهتمت بالبحوث العلمية وطورت صحاراها وثقفت شعبها وقلبت اراضيها الى مشاريع زراعية مربحة وصدرت منتجاتها الى العديد من دول العالم وباعت سلاحا لعشرات غيرها وتقبلها العالم كدولة متحضرة لها احترامها وخبراؤها وبرامج مساعداتهاِ ومن السخف الادعاء بأن كل ذلك تم بمساعدات مالية اميركية، رغم اهمية هذا العامل، حيث ان ما حصلنا عليه كدول عربية من مساعدات ومعونات وما انهمر علينا من ثروات بترولية جاوزت التريليونات لم ينتج عنها الا عدد من الشوارع والطرق السريعة وعدد من 'المباني' الجامعية والمدارس والمستشفيات وبعض المباني الحكومية والحدائق ولا شيء غير ذلك، هذا غير مختلف السجون والمعتقلات والأجهزة القمعية والبوليسية.
وعليه، من الحصافة التفكير في مخرج من هذه الدوامة الجهنمية التي ندور فيها منذ نصف قرنِ وهذا لا يمكن تحقيقه بغير الاعتراف بالأمر الواقع وتقبله وقبول شبه الدولة المعروض على الفلسطينيين والبدء من تلك النقطة لبناء دولة مؤسسات حقيقية لا مكان فيها للمخابرات والشرطة السرية والعلنية والبطش والاعتقال التعسفيِ ان هذا الوضع الذي ادعو لتقبله وقبوله ليس اكثر سوءا من الوضع الذي وجد الألمان انفسهم فيه في نهاية الحربين الأولى والثانيةِِ وهذه المانيا الجديدة كما نعرفها الآنِ وليس اسوأ، مع الفارق، من الوضع الذي وجد المجرم الدولي صدام حسين نفسه فيه في نهاية حرب الخليج الثانية، و هاهو لا يزال يقاوم كافة محاولات فرق الأمم المتحدة للتفتيش على اسلحة الدمار الشامل لديهِ وليس اسوأ بكثير من الوضع الذي وجدت اليابان نفسها فيه وهنا نحن نرى مدى تقدم ورقي تلك الدولة.
لقد ترحمنا كثيرا على ما قاله بورقيبة وطالب به في الستينات، وتأسفنا اكثر لغياب عرفات عن مؤتمر الاسكندرية في السبعينات، ويبدو اننا سريعا ما سنندم على ضياع فرصة نهاية التسعينات.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top