رحلة المتاعب والخيبة

لسبب ما لم استطع أن أبين للقارئ الكريم ما أصبت به من مرض أثناء زيارتي الأخيرة إلى لندن مما تسبب في حرماني من قضاء اجازة مثالية بين مكتبات لندن العامرة بكل ما يشجع على القراءة والاطلاع ومشاهدة أحسن المسرحيات والاستمتاع بعروض دور الأوبرا!!.
تلك كانت نهاية الأحلام ونهاية رحلة قصيرة ومتعبة ومكلفة ومخيبة لكل الآمالِ ولكننا لم نتكلم عن بداية الرحلة التي بدأت في مدينة النار والنور والسرورِِ باريس!!! فهي مدينة لا يمكن أن يقع في حبها من لا يعرفهاِ ولا يستطيع من يتعرف عليها جيدا إلا أن يعشقها ويغرم بها إلى درجة الوله.
تسير في شوارع باريس الخلفية والمغطاة بتلك الأحجار القديمة وتتأمل حوائط بيوتها العالية وبلكونات عماراتها ذات الحواجز الحديدية المشغولة بفن قديم، والتي تزينها أوان فخارية مملوءة بالورودِ وتتأمل البوابات الخشبية الضخمة التي تشكل مدخل كل عمارة والتي تؤدي بك، متى ما فتحت لك، إلى فناء أو حوش صغير تنتشر فيه العديد من الأصص المزروعة بنباتات وأزهار جميلة.
ذهبت وزوجتي وبعض الأصدقاء إلى باريس لحضور معرض 'بري أبورتيه' للملابس النسائية الجاهزة الذي يقام مرتين كل عامِ والمعرض الذي توزع على أكثر من 3 صالات رئيسية وعلى ثلاثة مستويات هائلة الحجم ولثلاث مناطق متفرقة تحتل عدة كيلومترات مربعة، شارك فيه عدد كبير جدا من الشركات، سواء تلك المتخصصة في البيع أو في صنع الأقمشة والملابس الخارجية و'الداخلية' والأحذية والاكسسوارات المرتبطة بأناقة المرأة في العالمِ وكانت جنسيات الشركات المشاركة فرنسية في غالبيتها ولكن كانت هناك نسبة كبيرة من الشركات والعارضين من بريطانيا وايطاليا والولايات المتحدة وألمانيا والبرازيل وغيرها من الدول.
دخول المعرض ليس كالخروج منه، فما ان تغرق عيناك في وجوه آلاف الحسان الفرنسيات والأوروبيات والعارضات اللواتي قدمن من شتى أنحاء المعمورة، حتى تقرر أن بامكان العالم خارج المعرض أن ينتظر قليلا، وان على الوقت أن يتوقف ملياِ وهنا تشعر بأن هناك زيادة غير متوقعة أو مفهومة لمادة الأدرينالين في جسدك، إضافة الى مواد غريبة أخرى، وهذا ما يدفعك لأن تنسى العالم وتبدأ العيش في عالم من الفانتازيا الخيالية حيث تبدأ حواسك بإرسال عشرات التفسيرات الخاطئة للمخ، ولكن سرعان ما تكتشف خطأها وتحاول أن تنساها، وما ان يتم لك ذلك حتى تبدأ مرة أخرى بالوقوع تحت التأثير نفسه وهكذا دواليك، طوال اليومِ فابتسامة 'المجاملة' التي عادة ما تتبع حركة التقاء العيون تفسر دائما بأنها 'نظرة' إعجاب ووله وغرام، ويجب بالتالي أن تبادل بالمثلِ وحركة اليد اللطيفة المصحوبة بدعوة 'تجارية' لدخول معرض شركة ما، تعني أن شيئا خاصا فينا جعلها تدعونا للدخول!! فربما هي ربطة العنق أو نوعية الكولونيا أو تصفيفة الشعر!!.
أربعة أيام وملايين الزوار وعشرات آلاف السيارات ومئات آلاف الغرف الفندقية المشغولة والمطاعم التي لم يخل فيها كرسي واحد طوال ساعات الليل والنهار، وبلايين الفرنكات من عقود الشراء لموسم الشتاء المقبل، وصناعة يعمل بها ملايين البشرِِ ونحن لا دور لنا غير اختيارها وشرائها وتعليقها في خزائن ملابسنا لتأكلها 'العتة'.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top