مقطوع السلك

تقول الاغنية الاميركية ذات النغم المرح:
all what we need is a mobile phone to say that we are not at home وتعني ان كل ما نحتاج اليه هو هاتف نقال لنقول لكل من يتصل بنا اننا لسنا في البيت! (والمعنى واضح).
تضطر غالبية مساحي الاراضي ومصلحي الآلات الكهربائية ومركبي ورق الجدران ومعلمي الصحي والكهرباء وسماسرة العقار، اضافة الى عشرات الحرفيين مثل: الحلاقين والمصورين واصحاب سيارات التاكسي وغيرهم الآلاف من اصحاب الحرف والمهن الاخرى، الى التواجد في مكتب او مكان ما لتلقي طلبات الخدمة، وهذا يعني تحمل مختلف انواع المصاريف من ايجار وسكرتارية وكهرباء وماء وضرائب دخل وبلدية وغيرها، وذلك لتمكين المحتاجين لخدماتهم من الاتصال بهم والوصول اليهم بطريقة مناسبة.
بعد اختراع الهاتف النقال، وهو الاختراع الذي أعتبره الاعظم تأثيرا في طريقة المعيشة والسلوك البشري بعد السيارة استغنى غالبية هؤلاء عن مكاتبهم واصبحوا يعملون من سيارات شحن صغيرة تحتوي على كامل المعدات والادوات، واصبحوا يعلنون عن انشطتهم في المطبوعات المتخصصة.
وأدى انتشار استعمال الهاتف النقال الى تغيير جذري في السلوك البشري حيث زادت نسبة ما يسمى ب'الكذب الاجتماعي' او الكذب الابيض بين الاصدقاء والازواج واصحاب الاعمال والمتهربين من بعض المسؤوليات المادية او الاجتماعيةِ كما أدى انتشار استعماله الى حرية الحركة وعدم الدقة في تحديد المواعيد وزيادة نسبة المخاطرة بالتواجد في اماكن لا يمكن التفكير بزيارتها او المرور بها لولا وجود الهاتف النقال، والذي اصبح يعطي الامان لمالكه او حامله وشعوره، او شعورها، ان بإمكانها الاتصال بزوجها او ابنها في اية لحظة والطلب منه او منهما الحضور لمساعدتها او انقاذها.
حتى يومنا هذا لم تتفق دول 'الوحدة والحرية والاشتراكية' على تسمية موحدة للهاتف النقال حيث يسميه البعض 'الجوال' والبعض الآخر 'المحمول' وآخرون ب'الموبايل' او 'السيليلور' و يسمى في تونس 'موبيل' وفي الجزائر 'سيليلير' اما في ايران فيسمى ب'السيار'ِ وربما سيؤدي دخوله للاستعمال في سوريا في القريب العاجل الى دخول تسمية جديدةِ كما ان من المؤكد ان العراق سوف لن يرضى بكل تلك التسميات وسيخرج على العالم بتسمية جديدة مثل 'مقطوع السلك' او 'المسر السري' او 'ضاغط الصوت'!.
يستعمل الكثيرون الهاتف النقال كمنبه للاستيقاظ من النوم او لتوقيت اخذ جرعات الادوية وساعة جيب ومفكرة ملاحظات وآلة لاستقبال رسائل الفاكس والرسائل الصوتية وجدول لأرقام الهواتف المهمة وآلة لتحديد الاتجاهات الجغرافية إلخ من الاغراض المفيدة.
وليس لنا هنا الا ان نشكر ونحمد من سخر لنا موتورولا وتوشيبا وسانيو وسوني ونوكيا وناشنال واريكسون وسيمتر فسهرت الليل وربطته بالنهار لتصنع لنا جهازا جاهزا متجهزا، نتمتع باستعماله ليل نهار دون كلل او ملل او تعب او اجهاد الا بقدر ما يحتاجه امر تشغيل المخ لاختيار نوع او لون او شكل الغطاء الخارجي لجهاز الهاتف النقال قبل اتخاذ قرار شرائه.
وفوق كل ذلك يحق لنا شراء اسهم الشركات التي تصنع تلك الاجهزة من بورصات الدول المصنعة لها وتحقيق الملايين من وراء ذلك دون ان نحرك اقفيتنا من على كراسينا الوثيرة!.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top