ِِِِِِِامبراطورية اللجان

في معرض دفاعه عما تطرقت اليه الصحف وكتاب المقالات من إثارة للشبهات عن حجم وحقيقة المبالغ التي قامت الاحزاب الدينية بتجميعها عن طريق وسائل الاعلام مؤخرا في الحملة 'الناجحة' لدعم سكان كوسوفو، وما اشيع من ان جزءا كبيرا من تلك الاموال لم يصل للاغراض التي جمعت من اجلها، كتب الزميل عبدالحميد البلالي مقالا دافع فيه عن سمعة الاحزاب الدينية، حيث ذكر فيه ان من الطبيعي ان يكون ما تم جمعه من تبرعات حقيقية اقل مما تم الاعلان عنه في التلفزيونِ وقال ان مثل هذا يحدث في دول مثل بريطانيا حيث يكون المبلغ الحقيقي والنهائي اقل دائما مما يتم الاعلان عنه في وسائل الاعلامِ وبرر ذلك بان عددا كبيرا من المتبرعين لا يفون عادة بوعودهم!
لقد حضرت شخصيا اكثر من حملة جمع تبرعات ولاكثر من غرض نبيل، وفي بريطانيا بالذاتِ والحقيقة تختلف كثيرا عما ذكره الزميل! فمن الصعب تخيل ورود مكالمة هاتفية مثلا لتلفزيون ال'بيِ بيِ سي' من مشاهد يطلق على نفسه اسم السيد جون سميث، ليذكر بأنه يرغب في التبرع بمائة ألف جنيه لغرض الحملة تلك، ثم ينهي المكالمة ويتم احتساب المبلغ ضمن مبالغ التبرعات، ثم لا يقوم السيد سميث مثلا بالمساهمة حقيقة بالمبلغ في اليوم التالي وتحدث بالتالي الفروقات بين ما تم اعلانه في التلفزيون وما تم جمعه حقيقة! فالوسائل هناك اكثر دقة والعملية مكشوفة ومعروفة للجميع، ولا يمكن للقائمين عليها ان يدعوا بسهولة بأن ما جمعوه حقيقة يقل عن نصف ما اعلنوا عنه لان السيد سميث وامثاله لم يفوا بوعودهم.
ان مبالغ التبرعات في تلك الدول تكون عادة ذات قيمة صغيرة ولكن يتم تعويض ذلك بعدد المتبرعين الهائلِ ويتم تجميع جل تلك التبرعات اما نقدا وتدخل ضمن المبلغ الذي يتم الاعلان عنه اولا بأول من خلال برنامج كمبيوتر دقيق تظهر نتائج اعماله على شاشة التلفزيون، او يتم استقطاعها، وهذا هو الشائع، من بطاقة ائتمان المتبرع مباشرة وفورا.
اما اصحاب المبالغ الكبيرة فقد جرت العادة ان يكونوا من 'السلبرتي' او المعروفين اعلاميا واجتماعيا، ومن الصعب تنصلهم من وعودهم بسهولة كما ان صورهم تظهر في وسائل الاعلام وهم يحملون نماذج شيكات التبرع الكبيرة.
وعليه، فان ما ذكره الزميل البلالي بعيد عن الدقةِ ويجب ان لا نقارن اوضاعنا المؤسفة بالآخرين ونحاول ان نبرر ما يحصل عندنا من تجاوزات رهيبة في المؤسسات التي تدعي التصدي لجمع التبرعات وصرفها بما يحدث في دول الغرب وذلك للعديد من الاسباب لعل اهمها ان مؤسسات جمع التبرعات هناك لا يحق لها استقطاع ما شاء لها من نسب من تلك التبرعات لقاء جهودها مهما عظمت، فمثل تلك الامور مقيدة وتخضع لمجموعة كبيرة من القواعد والنظم الدقيقة، وهذا ما نفتقده 'هنا' بشدة!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top