جيش الدكتاتور

انتشرت في بغداد، وفي الايام الاخيرة من الحرب العراقية ـ الايرانية، الطرفة التالية: اثناء قيام الدكتاتور العراقي بجولة في احد المستشفيات العسكرية تقدم الى جندي فقد رجليه في الحرب وسأله عن طلبهِ فقال انه يتمنى ارساله الى دولة اوروبية ليركبوا له رجلين صناعيتين!! وعندما سأله الدكتاتور عما سيفعله بعدها قال الجندي بصوت عال سمعه الجميع: سأعود لأحارب في جيشك يا سيدي!!.
تقدم بعدها الدكتاتور الى جندي آخر، فقد اطرافه الاربعة كلها في الحرب وسأله عن امنيته فقال هذا انه يرغب في الذهاب الى الدولة الاوروبية نفسهاِ ولكن لتركيب رجل واحدة فقط!! وعندما ابدى الدكتاتور استغرابه من الامر وسأله عن سبب اقتصار طلبه على رجل واحدة، وهو الذي فقد اطرافه الاربعة قال الجندي انه لا يحتاج الا لرجل واحدة لكي يضعها في 'فم' ذلك الجندي المنافق الذي سيعود برجلين صناعيتين ليحارب مرة اخرى في جيش سيده حتى لا ينطق ابدا!
لا ادري لماذا تذكرت تلك الطرفة وما علاقتها بموضوع مقالنا هذا، ولكني تذكرتها على اية حال وانا اكتب لكي ارد على ذلك المقال الذي نشره احد مشجعي الشعوذة في البلاد ، والذي افتقد أدب الحوار، والذي اعتقد كاتبه ان في امكانه، عن طريق تجنب الموضوع الاساسي من جهة، وارسال عشرات الكلمات العجيبة والغريبة التي لا علاقة لها بالموضوع من جهة اخرى، ان ينجح في الدفاع عن نفسه وعن ذلك الموقف المضحك الذي وضع نفسه فيهِ فكلمات وتعبيرات مثل 'قاع بحر الاوهام، خطأ في الادراك، سفسطة المنطقيين، القياس المركب في الوهميات، عرش من الاوهام، زمرة المسفسطين، قشرة ثقافية عامة، تلبست وتدبست بهذا اللغط الشنيع، الماهية مصطلح مصاغ من السؤال، وغير ذلك من الكلمات والجمل، اضافة الى ايراد حشد كبير من اسماء العلماء والفلاسفة وغيرهم كابن رشد وابن تيمية وابن سينا وديكارت وسارتر، وتعبيرات واسماء اخرى لم تفده كلها في الدفاع عن تورطه في الجلوس والتسامر مع اشخاص يعتبرون من كبار مشعوذي الامة العربية والاسلاميةِ والامر، على اية حال، لم يكن يحتاج اصلا الى كل هذا الكم الهائل من الكلام الفارغ للتغطية على موضوع بسيط ومحزن في الوقت نفسه.
لقد بينت تلك الردود المستوى الخلقي الحقيقي لبعض الدعاة!! والتي تجعلنا لا نعتب عليهم بقدر ما نعتب، و'نتشره' على السلطات التي اعطتهم كل تلك الهالة الدعائية المزيفة، والتي سمحت لهم ومكنتهم من دخول المدارس ودور العلم الاخرى والقاء الخطب والمواعظ فيها، كما صرحت لهم باعطاء الدروس الدينية للعامة عن طريق وسائل الاعلام، وهم على ما هم عليه من قلة الذوق والادب، فالاواني لا تنضح الا بما فيها!.
المؤلم حقا، ان ما يحدث ليس الا انعكاسا، او نتيجة، لذلك التدهور الشامل الذي نعيشه في مختلف اوجه الحياة في هذا البلد الذي اصبح رهينة بأيدي قوى التخلف.
ونستمر في التساؤل: أما لهذا الليل من آخر؟.
أحمد الصراف
--------

الارشيف

Back to Top