المسلم المظلوم

عاشت مناطق شاسعة من حوض المحيط الهندي في جنوب شرق آسيا في سلام ديني، ولم تعرف الحروب الدينية على مدى ثلاثة آلاف سنة، الى أن غزا المسلمون، بقيادة محمد بن القاسم، عامل الحجاج، بلاد السند عام 92 هجرية. ويعود سبب خلو المنطقة تاريخيا من الحروب الدينية الى تعدد آلهتها وتساوي غالبيتها في الأهمية، فلا جهة تشعر بأن آلهتها أفضل من غيرها، أو العكس، اضافة الى خلو عقائد الغالبية، والبوذيين منهم بالذات، من العنف، وبالتالي كان لافتا للنظر ما اصبحت تتعرض له أخيرا الأقليات المسلمة في تايلند وبورما وسريلانكا، وحتى الصين الشعبية وغيرها من اعتداءات شبه متكررة وتتسم بالعنف الشديد ضد مواطني تلك الدول من الأقلية المسلمة، والتي فقد من جرائها الكثير منهم أرواحهم وأملاكهم وحقولهم، ورفض التعامل معهم أو الشراء من متاجرهم! والغريب أن رهباناً بوذيين متطرفين، ممن اشتهروا بحبهم للسلام والمحبة، كانوا على رأس الكثير من عمليات الاعتداء على الأقليات المسلمة في بلادهم، وهم الذين لم يشكل وجودهم يوما تهديدا خطيرا على الغالبية، فلم حدث مثل هذا التحول؟

يقول المسيح، عليه السلام، في أحد اقواله: أحب اعداءك وصلّ لمن يضطهدك! وقد كان لكلمته تلك تأثير هائل على مواقف الكثير من القادة والجنود المشاركين في الحروب ممن ارتضوا المسيحية دينا، حيث حرم عليهم معتقدهم الجديد ضرب الآخرين فكيف بسفك دمائهم؟ وهنا اصبح الوضع خطيرا، وكادت المسيحية أن تفقد زخمها، لتعارض مبادئ المسيح السلمية مع ما أصبح يتطلبه الدين الجديد من اراقة دماء الاعداء، وبالتالي تطلب الأمر تدخل بعض رجال الاكليروس آنذاك بدعم سياسي من الأباطرة والملوك، لتغيير مفهوم «أحب لأعدائك ما تحب لنفسك» وتحليل قتل الآخر بالحرب وبغير ذلك، طالما كان الهدف «عادلا»! وهكذا تطوع عشرات الآلاف للمشاركة في الحروب الصليبية على الشرق لاستعادة بيت المقدس من المسلمين «الكفار»! وبالتالي ما اصبحنا نراه اليوم من ميل عدد من الرهبان البوذيين للجوء للعنف ضد الأقلية المسلمة لا يختلف عن مواقف أوائل المسيحيين، الذين كان رافضو القتال منهم في مقدمة الجيوش الصليبية الغازية! فهؤلاء الرهبان شعروا أن وجودهم العقائدي يتعرض لخطر الافناء ان استمروا في اتباع الطرق السلمية واللاعنف مع الموجة الجديدة من التطرف الاسلامي، وما أصبح يشكله تمددهم وتكاثرهم من خطر عليهم، وهكذا برروا لأنفسهم قتل الآخر، لأن الهدف عادل! وهنا يجب توجيه اللوم لمن اندس بين مسلمي جنوب شرق آسيا، وقبلهم وبعدهم بين مسلمي اميركا واوروبا، من المتطرفين الخليجيين بالذات، الذين زينوا لهم رفض التبعية لحكم غيرهم، من عبدة الأوثان، وحثهم على المطالبة بـ«حقوقهم» المهدورة، وغير ذلك من مطالبات أفزعت الأكثرية، فوقفت ضدهم ودفعوا هم ونحن ثمنا باهظا لتطرف هؤلاء وغبائهم!

الارشيف

Back to Top