الحل في العلمانية

تتزايد يوما عن يوم مشاكلنا، ومنذ نصف قرن على الأقل، من دون توقف محليا او على مستوى المنطقة، ولا يبدو أن أحدا لديه بصيص أمل بأن الوضع سيتحسن في القريب العاجل! ولو نظرنا بقليل من العمق لوجدنا ان جهلنا وتعصبنا سبب غالبية هذه المشاكل، وهما اللذان جرا القوى الأخرى للتدخل في أمورنا أو مساعدتنا في حلها، ومؤتمر العقير وغيرها من المؤتمرات خير شاهد! والمؤسف أن نجد أن التعصب الديني لعب دائما دورا بارزا في خلق غالبية مشاكلنا. وبالتالي فإن أول خطوة للتقليل من حجم وكم مشاكلنا تكمن في فصل الدين عن الدولة، فكل فريق اليوم يعتقد أنه الأفضل، إما لأنه الأغلبية، والحق معه، أو لأنه أقلية، وعليه الدفاع عن حقوقه، إن باللجوء للصراع المسلح أو بالاستعانة بقوى خارجية، التي بإمكانها مساعدته!

يقول الكاتب العراقي عادل حبه، إن العلمانية مفردة مشتقة من كلمة «سكولوم» اللاتينية، وتعني الدنيا والحياة الدنيوية، أو الحياة على الأرض. ولقد استخدم تعبير العلمانية لأول مرة في عام 1648 في معاهدة «ويستفاليا» الأوروبية، التي تم على اثرها انتقال ملكية أراضي الكنيسة لسلطة المجتمع المدني. ومنذ يومها اعتمد واضعو دستور الولايات المتحدة الأميركية، بعد استقلالها عن بريطانيا. كما سارت فرنسا، منذ ثورتها عام 1789، على مبدأ العلمانية، ولا تزال. كما استُخدِمت مفردة «لائيزم»، أي الدنيوية، في الصراع الذي خاضه الشعب الفرنسي في القرن 19 من أجل الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع الديني. ويعتبر كلا المفهومين الآن، أي العلمانية واللائية، مفهوماً حقوقياً وتشريعياً وسياسياً واحداً. وأصبحت العلمانية جزءاً مهماً من أركان الديموقراطية والحرية، بل هي جزء لا يتجزأ من الاثنتين. ففكرة العلمانية أكدت أن تشكيل الحكومة والتشريع وسن القوانين هي حق الشعب الذي لا ينازعه فيه أحد. ولم يعد للتشبث بالدين أو بأي حجة أخرى غير إرادة الشعب وخياره أي تأثير في الحكم طبقاً لمفهوم العلمانية. ومكنت الديموقراطية، التي تحققت على مراحل في أوروبا والولايات المتحدة، العلمانيين من تحديث مختلف مؤسسات الدولة القضائية والتعليمية، وأضفوا عليها هوية غير دينية وأبعدوا سلطة الكنيسة عن هذه المؤسسات. وهذا ما لعب دوراً مؤثراً في تطوير العملية الديموقراطية وترسيخها في هذا الجزء من العالم. وبناء على هذا المفهوم لا يمكن اعتبار أي نظام دكتاتوري قمعي، بمجرد إعلانه فصل الدين عن الدولة، نظاماً علمانياً ولائياً. فالأنظمة الفاشية التي استقرت في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين وعشرات الانقلابات العسكرية التي جرت في بلدان العالم الثالث، ومنها العراق، رغم أنها كانت انظمة غير دينية، وأحياناً معادية للدين، إلاّ أنها كانت أنظمة اعتمدت ايديولوجيا معادية للديموقراطية ولا يمكن اعتبارها بالتالي انظمة علمانية. فالعلمانية لا تعني العداء للدين وإلغاءه، ولا تحرم المواطن من حرية الايمان والعقيدة ولا تفرض قسراً ايديولوجية بعينها على المجتمع، على خلاف الأنظمة الفاشية والدكتاتورية. ومن هنا نجد أن العلمانية هي الحل الأمثل والحاسم لممارسة الحرية الدينية وحرية المعتقد، لأنها تضمن أمن الأفراد في المجتمع وحريتهم بغض النظر عن دينهم ومذهبهم. فالعلمانية تحد من طموح وسلوك أي تيار ديني أو مذهبي لفرض رؤياه وفكره وسلطته على الآخرين، أو التمييز أو القهر ضد اتباع التيارات الدينية أو المذهبية الأخرى بذريعة الأكثرية التي يتمتع بها هذا التيار أو المكون الديني أو المذهبي في المجتمع. والغريب أو ربما المضحك أن الجماعات الدينية المتطرفة لدينا تطالب نظام الحكم في إيران بعدم فرض رؤاه وفكره على الأقليات غير الشيعية، ولكنها لا تمانع في قيام أنظمتها بفرض رؤاها على أتباع الأقليات لديها، ومنهم الشيعة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

الارشيف

Back to Top