دولة الظواهر عند الظواهري

لم تحتل مسألة محور اهتمام البشر، منذ أن وجدوا على الأرض، وحتى زوالهم لسبب أو لآخر، كمسألة من يحكمهم وبأية طريقة. فالفرد بطبيعته يعشق الحرية ويهيم بالانطلاق، ويضيق بالقواعد ويكره القيد، وبالتالي فرضت الدول «العاقلة» السجن كأقسى وأقصى عقاب يمكن أن يُفرض على أي مذنب، فإخضاع الإنسان لنظام معيشة مقيد، وطعام محدد، وساعات نوم ويقظة معينة يشبه، بطبيعته نظام الحكم، أي حكم كان، فهو لا يختلف كثيرا عن حجز الحرية الفردية، فالحكم يفرض نمط معيشة قد لا يتفق مع أهواء ومصالح البعض، وبالتالي كان لا بد أن يتطور الفكر البشري ليجد مخرجا لهذا القيد، وهذا ما خرج به الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عندما وصف ورسخ مفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بالعقد الاجتماعي، والذي فيه صلاح الفرد والحكومة، وأن أي تقييد لحرية الفرد هو في النهاية لمصلحة الفرد نفسه، ومن ثم المجتمع. فالدولة تضع حدا لحرية الفرد في أخذ مال غيره مثلا، ليس فقط لحماية صاحب المال، ولكن أيضا لضمان أن شخصا آخر، أكثر قوة، لن يأخذه ثانية ممن سبق أن سلبه من غيره، وليأتي رابع ويأخذه من الأخير، وهكذا. وبالتالي أصبحت طريقة الحكم وأسلوب إدارة الدولة محور اهتمام المفكرين لقرون، ولا تزال، بالرغم من الاستقرار على أن طريقة الحكم الديموقراطي، مع كل سيئاتها، هي الأفضل.

وعليه، فإن من ينادي بتشكيل دولة دينية تطبق فيها الشريعة لا يعرف حقيقة ما يقول، أو أن له مصلحة شخصية فيما يقول. فمن لهم حق الحكم هم البشر على الأرض، وليس الحكم من وراء الغيب. فالقول إن الحكم لله قد يكون كلاما مقبولا لدى البعض، ولكن من الذي له حق تفسير كلام الله، واعتبار تفسيره هو الوحيد الصالح والصحيح؟ ومن له حق تحديد شكل الحكم أو من يكون الحاكم؟ وكيف يتم اختيار من سيأتي بعده؟ هنا يبدأ الاختلاف، وتخرج السيوف من أغمادها، والمسدسات من جراباتها والرشاشات من مخابئها لتفصل في الأمر لمصلحة الطرف الأقوى، وليس الطرف الأكثر صلاحية.

ونرى أن التمعّن في مثل هذا الكلام كفيل بكشف زيف المتسترين بالدين، الذين لا يهدفون لغير تنصيب أنفسهم أو «أمرائهم» حكاما مطلقي الأيدي. فلو نجحت القاعدة في حكم أي بلد لما اختارت غير الظواهري رئيسا، أو من يقوم الظواهري بتعيينه! ولن يهتم أحد طبعا بقضية من سيأتي للحكم بعدها، وكيف؟ كما أن الدولة الدينية، التي تفتقر، بحكم طبيعتها، إلى العقد الاجتماعي، وهو هنا الدستور، يمكن أن تنسف، من خلال فتوى مثلا، ليعود كل شيء للمربع الأول، أو يحكم السيف، أو الرشاش، مرة ثانية!

ينقل عن الكاتب المصري نهرو عبدالصبور طنطاوي قوله: عندما كنا مسجونين في «طرة»، وكان يسمى «سجن مجمع الأديان»، لتعدد خلفيات نزلائه الدينية، كنا نشارك المساجين الآخرين في النقاش الديني، وكانت النقاشات تنتهي غالبا باستخدام المواسير والقطع الخشبية بدلا من المنطق. ويقول إنهم في إحدى المرات صلّوا المغرب جماعة، ثم بدأ النقاش، ولم يحن موعد صلاة العشاء حتى كان كل طرف قد كفّر الآخر، وصلّوا منفردين!

الارشيف

Back to Top