الكرة والريشة

لم تعرف البشرية عالماً أثر، ولا يزال، وسيستمر يؤثر إيجاباًَ في البشر لقرون طويلة قادمة، كالعالم الإنكليزي إسحاق نيوتن!

ولد نيوتن عام 1642، ونشر كتابه القيم «برينسيبيا» في 1687 بتشجيع ودعم مالي من إدموند هالي. وسطر فيه قوانين كونية مهمة تتعلق بالحركة، ولم يستطع أحد أن يعدل عليها حتى اليوم. وكان أول من برهن على أن الحركة الأرضية وحركة الأجرام السماوية تُحكم من قبل قوانين طبيعية، كما قام عام 1668 بصنع أول تلسكوب عاكس باستخدام المرايا بدلا من العدسات. وبين عامي 1664و1666 اكتشف نيوتن الجاذبية وقانون الجذب العام، من خلال ما يروى عن التفاحة التي سقطت فوق رأسه ودفعته للتفكير عن سبب سقطوها للأسفل وليس للأعلى؟ وهنا ظهر الإلهام الذي قاده إلى حقيقة الجاذبية التي توجد في كل الأجسام وتجذب الأخرى إليها بقوة، وكيف أن هناك قوة جذب متبادلة بين الشمس والكواكب، تجعل الكواكب تدور حول الشمس في مدارات بيضاوية، وعلى أن أي جسمين كرويين في الوجود يجذب كل منهما الآخر بقوة جذب تتناسب طردا مع حاصل ضرب كتلة الجسمين، وعكسيا مع مربع المسافة بينهما. ومن أعظم فوائد قانون الجذب العام هو تأثيره في الكشف على كواكب عدة.

ويصف العالم إرنست بلوخ اعجاز نيوتن بالقول: إن من الصعب أن نكوِّن فكرة عن جرأة نيوتن عندما فسَّر الأجرام السماوية المُثقلة بكل ضروب الخرافة بقوانين آلية خالصة، وكيف أن تفسيره الأرضي هذا فتح ثغرة هائلة في فكرة السماء. وبعد 300 عام على نظرية نيوتن في الجاذبية، التي تقول: إننا لو رمينا ريشة وكرة من المعدن من على سطح مرتفع في مكان مفرغ من الهواء، فإنهما ستصلان الى الأرض باللحظة نفسها! قال ذلك من دون أن تكون لديه التقنية العملية لإثبات كلامه. وقد قامت مؤسسة علمية في أميركا مؤخرا بتجربة تلك النظرية في أكبر غرفة مفرغة من الهواء في العالم، وكانت النتيجة كما توقع نيوتن. ويمكن مشاهدة التجربة من خلال الرابط التالي http://youtu.be/e43-cfukegs .

والآن علينا أن نتساءل، كيف عرف ذلك الرجل العظيم، قبل 300 عام ما يصعب علينا تخيله اليوم، دع عنك الإيمان به؟ وكيف يرفض الكثيرون الحقائق العلمية التي توصل اليها علماء الغرب، بحجة أنها مخالفة لنص هنا أو قول هناك؟ هل لأن عقولهم المتواضعة لا تقبلها أو تصدقها، وبالتالي هي غير صحية أو دقيقة بالمطلق؟ وماذا نقول في حجم الكون حولنا، وما توصل له العلماء من خلال تلسكوب هابل، الذي تم تركيزه قبل سنة على نقطة في الفضاء، وبعد اربعة اشهر ظهرت النتيجة، وإذ نحن أمام أبعد صورة رآها إنسان للكون تقع بعيدة عنا بـ13 مليار سنة ضوئية، ومجرة واحدة منها تحتوي على ثمانية أضعاف النجوم التي في مجرتنا، وكل مجرة تحتوي على تريليون نجمة؟

كل هذا يجب أن يدفعنا لأن ننفتح أكثر على العلم والعالم، وأن نرفض الانغلاق، ونرفض البالي من أفكارنا، ففي العالم الرحب الكثير مما يدهش ويفيد، حتى لو اختلفت عن قديم مسلماتنا!

الارشيف

Back to Top