الكويتية اليونانية

">توقف السائح الألماني أمام فندق في قرية يونانية يسودها الكساد، دخل ووضع على حاجز الاستقبال ورقة مئة يورو وقال للموظف: أريد أن أرى غرفك قبل المبيت لديك. أعطاه الموظف عدداً من المفاتيح، وطلب منه أن يراها بنفسه. ما إن اختفى السائح في الممر حتى خطف الموظف الورقة النقدية وجرى بها إلى البقال ليسدد ما عليه من حساب متراكم. أخذ البقال المبلغ وجرى به إلى مالك المحل ليسدد الإيجارات المتأخرة. أخذ هذا المبلغ وهرول نحو حانة القرية ليسدد ثمن ما استهلك من مشروبات طوال الأشهر الماضية. خطف صاحب الحانة الورقة النقدية من يد البقال وسلّمها للفتاة التي تعمل بالحانة، نظير خدماتها، فقامت هذه من مكانها، وجرت بالمبلغ نحو الفندق ووضعت المبلغ على الكاونتر سداداً لحساب إقامتها فيه، وفي اللحظة نفسها عاد السائح الألماني من جولته، وأخذ ورقة المئة يورو من على الكاونتر، وهو يقول إن أياً من الغرف التي رآها لم تعجبه! وهذا ملخص الوضع المالي في اليونان!

ولكن الأمر طبعاً أعقد من هذه الطرفة بكثير، فالذي أوصل اليونان، بكل ما تمتلك من تاريخ عريق وحضارة ضاربة في القدم، وتراث فني وثقافي واسع، إلى هذا الدرك المؤسف من الإفلاس المالي، هو الفساد. فكما أن الفساد بإمكانه القضاء على شركات ناجحة، فإنه بإمكانه أيضاً تحطيم دول كبرى، والكويت ليست استثناء. فقد رأينا ما أصبح عليه وضعنا نتيجة كل هذا الفساد الذي نعيشه، بحيث أصبح إنجاز أي عمل تقريباً لا يتم بغير رشوة أو وساطة متنفذ. كما أصبحت الأعمال لا تنجز في مواعيدها، وأصبح أمراً عادياً سماع أن متوفين يحصلون على الأولوية في السكن، وعسكريين يسرقون أسلحة مصادرة، وموظفي جمارك يهرّبون بنادق ومخدرات، وجمعيات خيرية وتعاونية يسرق مجلس إدارتها أموالها، ورجال دين يزوّرون شهاداتهم الدراسية، ومسؤولي وسطية متطرفون، ومكاتب خدم يملكها «مصلون» تتاجر بالبشر، وبلدية فاسدة، ووزارة اشغال أكثر فساداً، ومؤسسة بترول منهوبة.. إلى ما لا نهاية!

المؤسف أن سبب انتشار الفساد، في دولة ثرية كالكويت، لا يعود إلى الفقر ولا للتخلف ولا لقلة تدريس المواد الدينية في المدارس، بل يعود إلى غياب الوازع الأخلاقي الذي لا يمكن أن يكتسب بغير مشاركة البيت والمدرسة في خلق إنسان فاضل. كما يعود، ضمن أسباب أخرى، إلى تخلف الأنظمة الحكومية، ولسياسة التفرقة بين المواطنين، إن من خلال انتشار الواسطة، أو قصر وظائف معينة على فئات محددة!

وبالتالي علينا، إن أردنا تجنب مصير اليونان، أن نخلّص الوطن من سرطان الفساد الرهيب، وهذا لا يتطلب غير قرار واحد بسيط وصعب في الوقت نفسه.. وهو «تطبيق القانون على الجميع»!

***

توفي الإعلامي السعودي، سعود الدوسري، اثر ذبحة قلبية عن 46 عاما. لقد كان شخصية لطيفة شديدة التهذيب، سيفتقده حتما كل محبيه. تعازينا لأسرته الكريمة على مصابهم الأليم.

الارشيف

Back to Top