الهيبوكرسية العربية

يعتبر المسلمون، بشكل عام، أكثر حساسية من غيرهم في ما يتعلّق بتقبلهم لأي نقد يطول أياً من تصرفاتهم أو معتقداتهم الدينية، وبالتالي أقل استعداداً لقبول، أو حتى سماع، وجهة نظر الآخر. ولكن هذه الحساسية لا تمتد لتشمل الأمور المهمة الأخرى، فهناك شبه فصل داخل العقل المسلم بين المعتقد وخارجه. ففي رمضان مثلاً يقومون بالبحث عن المفطر لإشباعه ضرباً، بينما يقوم الآخرون، الذين نلعنهم من على منابرنا كل يوم ملايين المرات، بالبحث، طوال العام، عن جائع لإطعامه! علماً بأن عشرات ملايين المسلمين لم يلتزموا، طوال التاريخ الإسلامي، بالصيام، فلم يؤثر ذلك في الإسلام كعقيدة، ولا على انتشاره، وكل هذا التضييق والتشدد على غير الملتزمين لن يكون له أثر غير زيادة جرعة النفاق والمراءاة لدى المسلم بشكل عام، عن طريق دفع الغالبية لإظهار ما لا يبطنون، وكبت الحقيقي من رغباتهم ومشاعرهم، علماً بأنه ليس من مهام الحكومات إيصال الناس عنوة إلى الجنة!

ذكر لي صديق، وهو من قراء مقالاتي، أن أحد الأئمة الشهيرين رفع عقيرته بالسباب، فور تلفظه بالشهادة، وهو لا يزال على سجادة الصلاة، لاعناً، بأقذع الألفاظ، فراش المسجد الذي ربما أطفأ المكيف. وهنا نرى مدى هشاشة العلاقة بين التصرف الديني والدنيوي. ويقول الزميل والطبيب العراقي يونس حنون: إننا بالغنا في تأويل معنى الصيام وفوائده وأهدافه الاجتماعية، متخلين عن فكرة كونه فرضاً دينياً يتطلب من المسلم الالتزام به، والسلام، دون سفسطة أو تخريجات لا داعي لها. فما يدعيه البعض من أن الصيام يدفعنا إلى التفكير في الفقير كلام غير دقيق، فيكفينا مثلاً الصوم ليوم واحد لنعرف معاناة الجائع، كما أن القول إننا نصوم للفقير لا معنى له، فإن كنا نصوم له، فلمَ يصوم هو؟

والصيام أو أي فريضة مشابهة، غايتها التحكم في النفس وتعويدها على تقبل الصعاب، وليس التحكم في تصرفات الغير وإيذاءهم.

نعود إلى موضوعنا ونقول إن الكثيرين يعتقدون أنهم طالما أدوا واجباتهم الدينية، فهم بالتالي في حل من كثير من الأمور الأخلاقية الأخرى التي لم يتطرق إليها الدين. فالوقوف في المكان الخطأ أو تجاوز الإشارة الحمراء لا علاقة له بالدين. ولو قمنا بالتسبب في إيذاء جار يهودي، فهو تصرف عادي وربما مستساغ، فعادة لا ننظر إلى مثل هؤلاء كبشر ومواطنين وجيران، بل نميل إلى تغليب حكم الدين فيه على ما عداه، حتى ولو كانوا أفضل البشر، في صفاتهم وتصرفاتهم. ولو قمنا مثلاً بتقديم «المحرمات» في فنادقنا ومطاعمنا، ولركاب طائراتنا، بحجة اضطرارنا إلى ذلك، فإن لم نقم به انصرف الزبائن عنا لغيرنا، وهؤلاء في الحقيقة لا يرون حرجاً في ما يفعلون، طالما أنهم يقومون بأداء فروضهم الدينية بطريقة صحيحة.

* * *

• ملاحظة: 

تعيين م. أحمد المنفوحي في منصب مدير عام بلدية الكويت قرار مستحق منذ سنوات، فالرجل يتمتع بخبرة واسعة وكفاءة عالية ويد نظيفة. نتمنى له التوفيق. أحمد الصراف  

الارشيف

Back to Top