أفكار سروش


يعتبر حسن دباغ، الشهير بعبدالكريم سروش، من أكبر مثقفي إيران. تلقى سروش تعليماً جيداً، والتحق بجامعة لندن، وحصل على الدكتوراه في الكيمياء، وفي مرحلة تالية تبحر في الفلسفة، وأصبح قريباً من علي شريعتي، أحد فلاسفة الثورة الإيرانية.

اشتهر سروش بغزارة إنتاجه، حيث عالج النظريات الماركسية وفلسفة العلم، وأصدر أهم أعماله «المعرفة والقيمة» وكتاب «ما هو العلم، ما هي الفلسفة»، وفي عام 1989 كتب مقالات «القبض والبسط للشريعة»، التي أثارت جدلاً بين مؤيدين ومعارضين، استمد أفكاره فيها من المبادئ الصوفية، معتمداً على المذهب الكانتي kant، ساعياً لإبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية، ومن ضمنها المعرفة الدينية. فهو يرى أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاط مستمر في ما بينها. وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر، فإن المعرفة الدينية تأخذ معنى جديداً أيضاً. وهو يقول إن نظريته تعتمد من جهة على الفكر الديني التقليدي، وتأخذ بنظر الاعتبار أيضاً مكتسبات الفكر والمعرفة البشرية. وبالتالي، فهي منهج وطرح عصري للدين. وإن التحوّل والتطوّر في المعرفة الدينية ليسا ناجمين عن المؤامرة والخيانة ووسوسة الشيطان، بل من لزوم التغييرات القهرية في الكون، وحركة الذهن، وسعة استيعاب الفهم، وطموحات الفكر وتطلّعات الروح البشرية المعادية للجهل. وبالتالي، فإن تهمة سروش الرئيسية تتمثل في الدعوة إلى الأخذ بالمناهج العلمية الحديثة في تكوين المعرفة الدينية. وهنا ينطلق سروش من مبدأ بشرية المعرفة الدينية فهي «بناء إنساني يتطور بالضرورة وباستمرار، بحسب الفهم المتغير للعالم، فبينما لا يتغير الدين في حد ذاته يتغير الفهم الإنساني له والمعرفة المرتبطة به. فالمعرفة الدينية ليست إلهية من منطلق الموضوع الديني الذي تعالجه ولا يسوغ أن نخلطها والدين في حد ذاته». لأجل ذلك يسعى سروش إلى «كشف أوليات الفهم الديني وكيفيته، وتوضيح أوصاف المعرفة الدينية بالنسبة إلى سائر المعارف البشرية وتحديد العلاقات القائمة بين المعرفة الدينية والمعارف البشرية، وأخيراً توضيح سر تحول المعرفة الدينية وثباتها تاريخياً». وهو في ذلك يهدف إلى محاولة وضع معنى النص الديني في أفق الفهم التاريخي المتحول. كما يهدف، وهذا هو الأهم، لأنسنة الدين، بمعنى جعل الدين من أجل الإنسان، وتأكيده على ضرورة فرض المعرفة الجديدة بالإنسان والمجتمع والطبيعة على من يتصدون لصناعة المعرفة الدينية، وإنه إذا تعرضت المعارف البشرية غير الدينية للقبض والبسط، فلابد أن يتعرض فهمنا للشريعة إلى القبض والبسط أيضاً، أحياناً بصورة ضعيفة وخفيفة، وأحياناً بصورة شديدة وقوية». 

اشتغل سروش كضيف محاضر في هارفارد وبرنستون ومعهد برلين العلمي، وله مقابلة شهيرة مع مجلة زمزم الهولندية، المتخصصة بقضايا العالم الإسلامي، وضح فيها بعض أفكاره، والتي ترجمت للفارسية، وأثارت جدلاً واسعاً في إيران، وعلّق عليها كثيرون، ومنهم مرشد الثورة علي خامنئي.


أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top