الفكر الغنوشي


يأخذ الكثير من مؤيدي الزعامات السياسية الدينية على خصومهم قلة إطلاعهم على فكر وأطروحات هؤلاء الزعماء، والاكتفاء بالحكم عليهم من غير تعمق ولا دليل. ويضرب المثل هنا «بالأسلاموي» راشد الغنوشي، وكتابه «الحريات العامة في الدولة الاسلامية»، الذي يُعتبرونه «أرقى ما أنتَجه الفكر الحديث في ميدان السياسة»، وكيف أنه قدّم أفكارا وأطروحات تَخرج عن السائد، وتدعو للانفتاح على الحداثة والديموقراطية.

لكن هناك شكوكاً جدّية حول مشروعية هذا الادعاء، وخصوصا حول الجدّة التي يتميّز بها كتاب الغنوشي ومشروعه السياسي، ذلك إننا إن قرأنا كتابا من أدبيات الإسلاميين في الحكم فكأنما قرأناها جميعا، فلا جديد، ويجب ألا يكون هناك جديد، بعد أن اكتمل الدين. وبالتالي سيكون كلامهم تكرارا مملا، مع اختلاف بسيط عن سابق كتابات البنا وقطب وعمارة والمودودي والبوطي والقرضاوي وغيرهم.

ويقول كاتب تونسي، الذي اقتبست فكرة المقال منه، ان الإسلاميين أوقعوا الفرقة بين مسلمي البلدان الإسلامية وفصلوهم عن شعوب العالم أجمع، وذلك عندما اجتمعت الأمم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نصت مادته الأولى على أن الناس أجمعين يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، بحيث ان عليهم أن يُعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. وواضح أنه إعلان محايد شامل ليس فيه اي موقف لاهوتي، ولا مكان فيه لكائن متعال يضمن هذه الحقوق، بل هناك العقل والضمير والحس الإنساني السليم.

ولكن هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجد اعتراضات، متفاوتة في قوتها، من مجموعة رجال دين الدول الإسلامية، فهم يودون استمرار مهمتهم في تفسير إرادة الله، واحتكار تفسير القرآن، وهذا يعني أن نكون خاضعين لتفسيرهم، ويهون الأمر لو كانوا اصلا متفقين على تفسير واحد واضح، فهم متضادون، لانهم يقولون الشيء وضده.

فكما هو معروف، فإن الشريعة لا تحرّم الرق، ولم تحظره على مدى تاريخها، وهناك من سلف مصر من تحسّر حتى على انقراض العبودية.

كما أن ما سمي بالبيان الإسلامي لحقوق الإنسان لا يعارض تعرض الإنسان للتعذيب، ولو كان مهينا وعلنيا.

كما أن من يروّجون لفكرة الديموقراطية من الإسلاميين المحدثين، في مزايدة على النظام الديموقراطي الغربي، نسوا أن فكرة الديموقراطية تعتبر من مرجعياتهم الكبرى شيئا منافيا تماما للدين. فالمودودي مثلا يصف من يطالب بها أن في نفسه مرض، وفي عقله ضعف.

كما أن نفس المطبلين لنموذج ديموقراطيتهم سبق أن طبلوا للاشتراكية المناهضة لها. حتى الدكتاتورية طالبوا بها لأنها تدعو لطاعة ولي الأمر.

يقول المودودي: الحل الأقوم هو القول ان الإسلام مستقل ومختلف عن جميع الأنظمة الغربية، والإنسانية. فنظام الدولة الإسلامية هو الحكومة الإلهية، ومن ليس بمسلم فيها فهو ذمي. وبالتالي فإن نموذج الحكم الذي يبتغيه أغلب رجال الدين يعني الطاعة للعاملين على الشريعة من فقهاء، وتنصيبهم كمشرّعين يختارون صوريا، وفي دائرتهم الضيّقة، مَن يحكم الرعية. وعليه لا ديموقراطية، ولا سيادة شعبية، ولا دستور ولا انتخابات.



أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top