الضمير والمنفوحي

إذا كنا لا نعرف الفرق بين الخطأ والصواب، بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام، بين الفضيلة والرذيلة، فذلك لأننا نفتقد الضمير، وليس العقيدة الدينية!، ولو كان هذا القول غير سليم، لاستوجب الأمر من نصف بشر الدنيا عدم التعامل، أو عدم الثقة مطلقاً، مع النصف الآخر، غير المؤمن بأي عقيدة.

***

يقول نص القسم الواجب أن ينطق به عضو مجلس الأمة، قبل أن يصبح عضواً: أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن والأمير، وأن أحترم الدستور و«قوانين الدولة»، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة…!

فبالتالي من المفترض أن يكون العضو، طبقاً لهذا القسم، مثالاً للشرف والأمانة، وبخلاف ذلك يكون قد حنث بقسمه، وأصبح خاضعاً للمساءلة. هذا من الوجهة النظرية، ولكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، فعدد النواب، في أي مجلس، ممن التزموا بهذا القسم حرفياً، هم قلة وفي تناقص مستمر، بعد أن أصبح التكالب على كيكة المصالح أكثر شراسة من قبل، مع شح الموارد! ويصبح الأمر مدعاة للأسى حقاً، عندما ينحدر هذا التكالب لصور رخيصة من استغلال النائب لعضويته في تحقيق أمور في غاية السخافة، ينتج عنها غالباً أقصى الضرر، مع أقل الفائدة للمستفيد، كبناء أدوار إضافية على السكن الخاص للنائب، في مخالفة لكل القوانين والأعراف، بحيث «تخترق» تلك المخالفة أعين السكان الآخرين كل يوم، وتدفعهم إلى التحسر على أمانتهم. كما يصبح الأمر في حكم الكارثة الأخلاقية عندما يكون النائب المخالف من المنتمين لتيار ديني يدعو للفضيلة. والغريب أن نائباً آخر، ومماثلاً في توجهه الفكري وهيئته الخارجية لنائبنا أعلاه، طالب بقتل من أسماهم بالشواذ، بإلقائهم من أعلى مبنى في البلد!، وطبعاً لم يهتم بإدانة مخالفات زميله، الذي سرق حقوق غيره، وحنث بقسمه، بل ركز على مسألة قتل الشواذ الذين غالباً لا ذنب لهم فيما أصابهم، فتوجههم أو ميلهم إلى الجنس الآخر لا يعتبر، طبياً وعلمياً، اختياراً، وإنما تفاعل معقد نتيجة عوامل بيولوجية وبيئية، وكما لو أن قتلهم سينهي الفساد.

إن تصريح وتصرف هذين النائبين «الفاضلين» يبينان بوضوح أن القضية الأخلاقية محصورة في الأمور الجنسية، وأن التعدي على المال العام واستغلال المنصب النيابي في التربح ومخالفة القوانين ليست قضية أخلاقية، بل نوع من «المخالفة» التي فيها نظر!

***

يوماً عن يوم، يتبين أن تبوؤ المهندس أحمد المنفوحي لمنصب مدير عام بلدية الكويت بدأ يأتي بثماره، بعد أن تعبنا من قضايا الفساد، وآخرها وجود 5 آلاف كفالة «مزوّرة» لدى البلدية، بعضها بملايين الدنانير. وأجزم أن أغلبية أصحابها هم من فئة النائبين أعلاه. كما نتمنى على المهندس المنفوحي عدم الاكتفاء بمحاربة المخالفات، بل والسعي أيضاً لإصدار ما يكفي من قرارات رادعة، بعد أن استغل الكثيرون غيابها، وسد الثغرات في الموجود منها.

• ملاحظة:

تقديراً لجهوده وإنجازاته المميزة على مدى 35 عاماً، منحت مؤسسة شيراتون/ ستاروود العالمية، السيد فهد أبو شعر، جائزتها المرموقة «للإنجاز مدى الحياة». أليس من المؤسف، بسبب قانون جائر ألّا يحصل أمثال هؤلاء على الجنسية الكويتية؟!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top