علمانية الأسواني

يقول علاء الأسواني، الكاتب المصري الكبير: اختر شخصا مهذبا متحضرا يتميز بالذكاء والتعليم الرفيع، والتسامح، لدرجة يمكنك معها أن تنقد تصرفاته كما تشاء فلا يغضب. اجلس معه وابدأ بهدوء بطرح أسئلة تشكك في صحة عقيدته! سيحاول أولا اقناعك بالحسنى وسيردد مجموعة من الأجوبة الجاهزة، ولكن إذا لم تقتنع وواصلت أسئلتك المشككة ستجد هذا الشخص المتحضر يفقد أعصابه وينفعل ويسيء إليك.
الفكرة هنا أن الناس لديهم عاطفة دينية جارفة تجعلهم لا يقبلون أي تشكيك أو نقاش جدي حول صحة دينهم، لأنهم بحاجة له لأنه يقدم لهم تفسيرا لبدء الخليقة ويصور لهم ماذا يحدث بعد الموت وغير ذلك مثل: إذا فعلت جيدا فستدخل الجنة وإذا فعلت سيئا فستحترق بجهنم. ولأن الإنسان نادرا ما يجد العدل في هذه الدنيا فإن الدين يقدم له وعدا بتحقق ذلك العدل بعد الموت. الدين يجعل الإنسان قويا لأنه يشعر بأن هناك قوة إلهية تساعده وتعينه وتحفظه. من هنا فإن الإنسان الذي ينتفض غضبا ضد المشككين في دينه إنما يفعل ذلك أساسا لأنه يخاف أن يتسرب الشك في دينه إليه، فينهدم الأساس المتين الذي بنى عليه كل تصرفاته.
هنا نسأل: هل الدين اعتقاد عقلي أم عاطفي؟ هل نختار ديننا بعقلنا أم بعواطفنا؟ هناك نوعان من الناس فقط يستطيعون أن يقولوا انهم اختاروا دينهم بالعقل، أولئك الذين عاصروا الأنبياء واستمعوا إلى دعوتهم وكان بامكانهم رفضها لكنهم اقتنعوا بها واعتنقوه. أما النوع الثاني فهم الذين ولدوا على دين معين ثم قارنوا بين الأديان، وقرروا التحول من دين ورثوه إلى دين آخر!
وعليه، فإنه باستثناء هاتين الحالتين، فان أحدا منا لم يختر دينه. لقد ورثنا جميعا أدياننا، استعملنا عاطفتنا في اختيارها، وعقولنا في الدفاع عنها. وبالتالي فإن الدين، باستثناء الطائفتين المذكورتين، يعتمد على العاطفة التي تجعلنا نتمسك بدين ورثناه ولم نختره. كما أن الكل يعتقد أن دينهم هو الوحيد الصحيح، وغيرهم على ضلال.
الدين يعلمنا قيما انسانية جميلة لكنه اعتقاد عاطفي وحصري. اذا تمكنت منك عاطفتك الدينية وآمنت أن دينك هو الوحيد الصحيح فمن المستحيل ان تعترف بحقوق متساوية لمن يخالفك في الدين. سيتحول الآخرون بالنسبة اليك اما إلى أعداء لدينك أو على أحسن الأحوال فئة ضالة كافرة لا تعرف الدين الصحيح الذي هو دينك فقط. هذه الحقيقة قد أدت – وما زالت – إلى مشاكل وجرائم وحروب عبر التاريخ الانساني! وبالتالي لم تجد المجتمعات المتحضرة، بعد صراعات دينية دموية راح ضحيتها ملايين الناس، من ان الحل الوحيد لهذا الوضع هو فصل الدولة عن الدين. أي أن يحتفظ كل انسان بدينه كما يشاء والدولة تحمي حقه في أن يعتقد ويمارس عباداته كما يشاء، وتبقى الدولة اللادينية على مسافة واحدة من الجميع، مهما تكن أديانهم، أو لم تكن.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top