السهل الممتنع

من السهل الاسترسال في تقديم العظات والنصائح للغير، وخاصة لابنائنا ومرؤوسينا، ومن هم أقل حظا منا في الحياة. فنحن جميعا تقريبا نتطلب ممن حولنا أن يكونوا مخلصين وصادقين في أقوالهم وتصرفاتهم، منظمين في عملهم، ملتزمين بمواعيدهم، ولكننا غالبا ما لا نلتزم بما نطالب به الآخرين! فسهل جدا تقديم النصح، وصعب التقيد به. وربما تكون من أكثر أمور الحياة صعوبة في تربية الأبناء هو أن نصبح  قدوة حسنة لهم role model. أي أن نتخلى عن التدخين مثلا قبل أن نطالب أبناءنا بالامتناع عنه، وأن نتوقف عن الكذب إن رغبنا في ألا يعتاد أبناؤنا على هذه العادة السيئة. وأن نكون دقيقين في مواعيدنا، إن رغبنا في أن يكونوا صادقين في مواعيدهم وتعهداتهم.. وهكذا.
في رواية عن الممثل العالمي شارلي شابلن، لا يهم مدى صحتها، يقول فيها: في أحد الأيام، عندما كنت صبيا ذهبت بصحبة والدي لمشاهدة عرض سيرك، جاء إلى مدينتنا مؤخرا. وفي نفس طابور انتظار شراء التذاكر، كانت تقف أمامنا عائلة بانتظار دورها، وكانوا ستة أطفال، والأم والأب، وكان الفقر باديا عليهم، من ملابسهم القديمة، وإن كانت نظيفة. كان الأطفال يُبدون فرحا غامرا بانتظار دخول السيرك، وكانوا يتبادلون الأحاديث بشوق عن توقعاتهم، وعن الحركات والألعاب التي سوف يشاهدونها بعد قليل. ما إن جاء دورهم لقطع التذاكر، سمعت ووالدي، الأب يسأل بائع التذاكر عن ثمن تذاكر الأطفال وثمن تذكرتين للكبار، فأجابه البائع، بعد ثوان، بالمبلغ، فطلب منه أن يعيد قول الرقم، فلما قام بذلك، تلعثم الأب، وأخذ يهمس في أذن زوجته ببعض الكلمات، وهو ينظر إلى النقود التي في يديه، وهنا أخرج والدي عملة ورقية من فئة العشرين دولارا ورماها على الأرض، وربت بيده على كتف الأب وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود. فنظر الرجل طويلا في عيني والدي، وقال له شكراً سيدي، والدموع تترقرق في عينيه، قبل أن ينحني ويلتقط العشرين دولارا من الأرض، وكان مضطرا لذلك كي لا يحرج نفسه أمام أبنائه، ولا يحرمهم من متعة طالما تمنوها.
ما إن دخلت العائلة خيمة السيرك، حتى قام أبي بسحب يدي لنخرج من الطابور، دون شراء التذاكر! ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور بوالدي، وبما قام به، وكان أجمل عرض سيرك شاهدته في حياتي، وإن كنت لم أره.

ملاحظة:
نبارك للداعية طارق سويدان حصول ابنه على البورد الكندي والأميركي في الطب النفسي. ونبارك للداعية سلمان العودة حصول ابنه على الدكتوراه من جامعة بتسبرغ الأميركية.. والجهاد لأبناء الآخرين!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top