الشغف بالعيون السود

تعليقاً على مقال «مارغريت محمد وجين المصرب»، أرسل صديق قارئ رسالة تساءل فيها عن سبب تركيز البعض، أو شغفهم بقصص وقوع الغربيين، ذكوراً وإناثاً، في حب العرب المسلمين بالذات، لدرجة هجر أسرهم وأوطانهم، والتخلي عن معتقداتهم الدينية، ولماذا تلقى قصصهم منا هذا الاهتمام، ولا تلقى قصص تحوّل أفارقة أو هنود مثلا، عن دينهم وتخليهم عن مجتمعاتهم، لغرض الاقتران بزوج أو زوجة عربية مسلمة، نفس الاهتمام منا؟ فهل السبب يعود لنظرتنا الدونية لأنفسنا اتجاه الغربي، وعكس ذلك اتجاه الشرقي؟ وما سبب الحظوة التي يلقاها الغربي في بلداننا، والتي تزيد عما ينالها في وطنه؟ ويقول الصديق إنه عندما عاد لمصر، بعد أن أصبح أميركيا، تغيّرت مواقف الجميع تقريبا منه، بمن فيهم أقاربه، وأصبح يعامل بطريقة تتسم بالأهمية، على الرغم من أنه هو نفسه، لم يتغيّر!
يكمن السر ربما في أننا نعيش عصر الحضارة الغربية، و«كل فرنجي برنجي»، كما يقول أهل الشام.
فنحن عادة نهتم بآراء ورغبات ومواقف من هم أفضل منا، والغرب، بشكل عام، أفضل من الشرق في كل شيء تقريبا. فهم مصدر الدواء والغذاء والشفاء والتكنولوجيا، والثراء والجمال والذكاء، والجامعات العريقة، الديموقراطيات الراسخة، وهم حماة الحقوق المدنية، والحريات المطلقة..إلخ. فإن يترك الفرد منهم، ذكرا كان أم أنثى، كل هذه المباهج والرفاهية والتقدم، ويأتي لدولنا وسهولنا وواحاتنا، التي تنقطع الكهرباء يوميا عن نصفها، ولا مياه شرب نظيفة ومدارس أو مستشفيات في نصفها الآخر، ليعيش سعيدا بيننا، أمر مثير للاستغراب، ويستحق الحديث والكتابة عنه. وفي الجانب الآخر ليس غريبا ألا نلتفت أو نهتم مثلاً بزواج المصري أو الخليجي أو الشامي بالهندية أو البنغالية، مع كامل الاحترام لهذه الشعوب، واختيارهم العيش مع العربي في كهفه أو خيمته أو بيت يشاركه فيه البقر والغنم والجمال، وغيرها من المواشي والطيور! فكل هذه الأمور ليست غريبة عن بيئته أو بيئتها، فهي مناظر مألوفة لديهم. وأتذكر أنني وصديقاً، عندما كنا نقضي إجازة في السبعينات في فيلا في دولة أوروبية، وأراد الحصول على دجاجة حية لذبحنا على الطريقة الإسلامية، قضينا اليوم كله من دون أن نحصل على واحدة!
اهتمام الغربيين برجال الشرق أو فتياته يعود في جزء منه لسابق أفكارهم عن رومانسية الصحراء، وقصص ألف ليلة وليلة، وليالي الشرق البهيجة وما رسمته هوليوود من صور شاعرية لحياة العرب، والجانب الغرامي منها بالذات.
كما يعود اهتمامنا بقصص هيام الغربيات بعيون رجال منطقتنا، ليس فقط لجمالها، واختلافها عن السائد في مجتمعاتهن، بل أيضا لندرة ما يحدث من هذه الزيجات. فملايين النساء الغربيات مررن بالمنطقة ولم يخطر على بالهن الاقتران بأحد، فلم تلفت الظاهرة نظرنا، وما إن رضيت إحداهن بالعيش في عشة أو خرابة أو كهف، حتى أصبحت قصتها موضوعاً للحدث.
كما أن من أسباب اهتمامنا بقصص هؤلاء ما نراه، أو نعتقده، من تضحية الرجل الغربي بدينه، من أجل الاقتران بمن يحب، من دون أن ندرك أن الدين لا يلعب في حياتهم ذلك الدور الذي يلعبه في حياتنا، فالتحوّل عنه مسألة شخصية، وليست قضية اجتماعية، أو أمراً عامّاً.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top