الرغبة الشديدة في الفساد

كما كان متوقّعاً، رفضت محكمة الاستئناف حكم أول درجة بتعويض سيدة بمبلغ 5000 دينار لإصابة مركبتها بتلف نتيجة تطاير حصى الطرقات عليها. وهذا يعني أنني وغيري الآلاف، ممن تضرّروا من إصابة مركباتهم بالتلف، بسبب فساد عمل المقاول والوزارة، ليس لنا غير السكوت، وقبول الخسارة، أو الدخول في متاهات المخافر وشركات التأمين والكراجات لإصلاح الأضرار التي أصيبت بها مركباتهم.
وفي جانب آخر، وبعد انتظار طال، أصدرت لجنة المرافق العامة في مجلس الأمة تقريرها قبل أيام بخصوص ظاهرة تطاير حصى الطرقات، حيث انتهت إلى أن أهم أسباب حدوث الظاهرة يعود إلى القصور في الرقابة، وإلى إجراءات ضبط وضمان الجودة، وأن المسؤولية عن تلف الطرقات وتطاير الحصى، والكشط والتزفيت المستمر للطرقات، مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف المعنية، وبالذات وزارة الأشغال ومقاول الطرق!
كما أوصت اللجنة بضرورة عدم تطبيق أي خلطة جديدة أو اعتماد أي أسلوب يتم التوصل إليه، إلا بعد إجراء الاختبارات العلمية والعملية، وبعد أن يثبت نجاحه. كما أكدت اللجنة ضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي حدثت بها هذه الظاهرة، وصولاً إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع هدر الأموال.
طبعاً، هذا التقرير وعدمه سيان، فقد توصّلت وغيري، عن طريق المنطق البسيط، من دون الحاجة إلى الاستعانة بأي خبرات، ومن دون دفع فلس واحد، إلى حقيقة أن خراب طرقنا لا علاقة له بنوع نفط الكويت، ولا بطبيعة الطقس، ولا بالأمطار الحمضية، بل بسوء رقابة إدارة الطرق في وزارة الأشغال، وربما إلى «اتساع» ذمم البعض فيها، ومع اتساع مماثل في ذمة وفساد بعض مقاولي الطرق.
فعندما نقود السيارة في طريق سريع تم تنفيذه قبل سنوات قليلة من شركة محددة، ونجد أن لون الأسفلت في إحدى حاراته مثلاً يختلف بوضوح تام عن لون ونوعية مواد ومصنعية وخلطة حارات الطريق الأخرى، فمن الطبيعي الاستنتاج فوراً بوجود تلاعب، فكيف تكون حارة سوداء، وأخرى رمادية مثلاً؟ وكيف تكون مصنعية حارة في الطريق ممتازة، وأخرى في نفس الطريق ممتلئة بالحفر والتشققات، وسيئة جدّاً؟! كل هذه الأمور لا تعود حتماً إلى مستوى الأحماض في الأمطار، بل لاتساع جيب المشرف، وكبر ذمة المقاول، وغياب ضمير المراقب.
في الكويت، عشرات آلاف المشاكل، الصغيرة والكبيرة، وهي تتوالد يومياً وتتكاثر، وسبب %90 منها يعود إلى الفساد، ولا شيء غير الفساد، والفساد ليس موجوداً بسبب التراخي في تطبيق القانون فقط، بل أيضاً بسبب الرغبة الشديدة في وجوده، لفائدته لأطراف عدة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top