ساي بابا.. والموائد

نحب أن نصف أنفسنا بالكرم، ونعيد ونكرر قصة «حاتم الطائي»، وكأن ليس هناك غيره في تاريخنا! ولكن لو كنا حقيقة كرماء، فلم لم يرد ذكر أحد غيره في تاريخنا؟
أعتقد شخصياً أن أشهر شخصية عربية اشتهرت بالكرم ونكران الذات، طوال تاريخ المنطقة، وعرفت أين تنفق أموالها، هي شخصية رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي كتبت عنه عدة مقالات، والذي كان مثال الكرم، وبالذات في الصرف على تعليم عشرات آلاف الشباب من مختلف أطياف المجتمع اللبناني، من دون تفرقة بين طائفة وأخرى أو بين أتباع دين أو آخر.
أما ساي بابا الهندوسي، فقد كان كرمه غريباً، وحصل من خلاله على مرتبة قديس بين المسلمين والهنود، وهو الوحيد، ربما بعد غاندي، الذي حظي بتلك المرتبة العالية.
كان ساي بابا زعيماً روحياً، وكان يدعو أتباعه لمعرفة ذاتهم، ولرفض الجري وراء الأمور المادية. وكانت دروسه تنصب على معرفة فضيلة الحب، والغفران، ومساعدة الآخرين، والقناعة، والسلام الداخلي. وكان يشدد دائماً على أهمية البحث عن الذات وعلى التدريب الروحاني. كما أدان ساي كل أشكال الكراهية والعداوة العنصرية والدينية، لدرجة لم يكن أحد يعرف بالدقة حقيقة ديانته، فقد كان يعيش في مسجد، وكان يمارس طقوساً هندوسية، وكانت دروسه تتضمن مواد وفضائل من كلتا الديانتين.
على الرغم من إيمانه بالحكمة الصينية التي تقول: «إنه من الأفضل أن نعلم الجائع كيف يصطاد سمكة بدلاً من أن نعطيه واحدة»، فإنه كان يعرف ما يعنيه شعور الإنسان بالجوع، ولهذا آل على نفسه أن يكرّس حياته لإطعام أكبر عدد من الفقراء.
واليوم تعتبر قاعة ساي بابا في مدينة شيردي، التي افتتحت رسمياً قبل عشرة أعوام تقريباً، أكبر مطعم في العالم، وربما في التاريخ، حيث تبلغ مساحة قاعة الطعام 11550 متراً مربعاً، ويقوم 399 طاهياً في المطبخ بتحضير الطعام يومياً لأكثر من 40 ألف وجبة يومياً طوال العام. ويقول د. سوريش هاوري كبير أمناء معبد ساي بابا إن إطعام الناس كان هدف الناسك ساي بابا. وقال إن مطعمه فاز بجائزة الدولة في توليد الطاقة من خلال أشعة الشمس، حيث تقوم أطباقه الـ73 بتوليد 2800 كيلو غرام من البخار يومياً وهذا كاف لتحضير كل تلك الوجبات التي يقدمها 600 نادل لضيوف المعبد.
يستهلك المطبخ طنين من شوربة العدس والأرز يومياً، ونفس الكمية من الخضار الطازجة، والتي يتم الحصول عليها من مزارعي المنطقة. كما يتم جلي الصحون بمكائن غسل أطباق حديثة، مع آلتين لقطع وغسل الخضار، وأخرى لغسل الأرز والعدس، بخلاف آلات طحن الدقيق وتحضير الخبز. كما يتبع في المطبخ أعلى درجات النظافة والتعقيم والتطهير المعتمدة عالمياً.
المهم في الموضوع هنا أن ساي بابا كان يقوم بأعماله من منطلق إنساني بحت، ولم يكن يبحث عن أجر، وهذا يقودنا لموضوع «الموائد» في رمضان.. ولكن هذا موضوع آخر!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top