النجم الثاقب
تخرّج كرجل دين قبل ثلاثين عاماً في جامعة في القصيم، وحصل على شهاداته العليا من جامعات مماثلة، ثم عمل في جامعة الكويت مدرساً في الشريعة، ثم مسؤولاً في الأوقاف، ورئيساً لهيئات شرعية لعدد من الشركات الاستثمارية، التي لقيت معظمها مشاكل مالية مستعصية، لأسباب لا علاقة له بها!
هذا ملخص لسيرة شخصية معروفة، وهو الجانب المهم عند التفكير في تسليمه منصباً ما. ونحن هنا لا نشكك في سيرة الرجل واستقامته، وكونه من أسرة طيبة كريمة، ولكن هذه السيرة نفسها تطلبت تدخل ثلاثة «مؤرخين» مصريين لوضعها ضمن دفتي كتاب، نقتطف من إحدى صفحاته النص التالي:
لقد كان للسيد برنامجاً يومياً طوال الأسبوع، يكاد يكون ثابتاً لا يتغير (ولا ندري إن كان البرنامج لا يزال معمولاً به أم تغيّر)، فإنه يخرج من بيته إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، ثم يعود مرة أخرى للراحة في البيت إن كان فصل الصيف لتبكير أذان الفجر. وفي الشتاء لا ينام بعد الفجر.
ثم يتناول الإفطار في البيت الساعة الثامنة صباحا، ويخرج بالسيارة يقودها إلى مجلسه، وينتظره هناك سائقه الخاص، وتعد له القهوة، التي تعد في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات، وذلك كلما دخل الديوان، أو أتى ضيف الى الديوان، ويتناول معها التمر، ويقدم له البخور والطيب، ثم يخرج إلى عمله، وهو في أيام الأحد والإثنين والثلاثاء، مجالس للإفتاء، ثم المحاضرات في الكلية يومي الإثنين والأربعاء، التي تكون بعد الظهر، وفي يومي الأربعاء والخميس يبقى في مكتبه. (انتهى).
لسنا معنيين بمدى أهمية ذكر هذه التفاصيل في سيرة شخصية لا تختلف عنا في نشاطها اليومي المتواضع، الذي لم يكن يتطلب قيام ثلاثة رجال بكتابته، ربما هناك جوانب مضيئة أكثر لم نعرف عنها، ولم يتطرق لها المؤرخون الثلاثة.. واخد بال حضرتك؟
هذا ليس طعناً في الرجل، فهذه سيرته، التي لا شك لدينا في أنها طيبة ولم تشبها شائبة، ولكنها ليست مميزة، بحيث لا يوجد ما يماثلها، لكي تقوم الحكومة بتسليمه أعلى المناصب، علما بأن كتّاب سيرته، التي قام ثلاثة «فطاحل» بوضعها بين دفتي كتاب، كنص الصفحة أعلاه، صدر قبل توليه منصبه الأخير، وهذا يدل على أن: لا الحكومة تقرأ، ولا من اختاره يقرأ، وغياب أي آلية منطقية أو علمية في اختيار من يتولون المناصب العليا، وهذا يقودنا الى موضوع مقالنا المتعلق بكيفية الاختيار. فمن الواضح أن الآلية مفقودة تماما، وليس هناك مثلا مقابلات في مجلس النواب للشخصيات المرشحة لتولي مناصب أمنية رفيعة، أو المسؤول عن إدارة نصف تريليون دولار مثلا، لاختبار جدارتهم للمنصب، وليس هناك مركز معلومات يمكن الاستعانة به لاختيار المرشحين. كما لا تقوم أي جهة بإجراء أي اختبارات فعلية لمن يتم اختيارهم للمناصب الرفيعة، فالكثير من حملة أعلى الشهادات الجامعية وما بعدها، ومن خريجي أميركا وأوروبا، لا يجيدون التحدث بالإنكليزية، دع عنك إتقانها، أو حتى لغة الدولة التي درسوا فيها. فعندما يرد في إعلان لمنصب مدير لشركة النفط أو الطيران أو الاستثمار الخارجي، ويذكر في الإعلان ضرورة إجادته اللغة الإنكليزية، فمن الذي سيقوم بالتيقن من صحة ادعاءاته؟
من كل ذلك يتبين وجود خلل في عملية اختيار القيادات، بعد أن كبرت الكويت، وأصبحت الأصول والفروع مختلطة تماما، وأصبحت العشوائية، أو هذا ولدنا، وهذا ابن عمنا، هي القاعدة.
الارشيف

Back to Top