الدستور والسند
مرت علينا قبل أيام الذكرى الـ55 لصدور دستور الكويت. وبهذه المناسبة، غرّد الأستاذ عماد السيف، القانوني المعروف، قائلا: مع الأحداث المحيطة بنا، سترتسم حتماً ابتسامة فخر عريضة على وجه كل كويتي في الذكرى السنوية لصدور دستورنا، الذي صان نظامنا الحاكم وحفظ حق وكرامة المواطن.

***
تعزز هذا الدستور وترسخت مواده في مؤتمر جدة، الذي عقد في أكتوبر 1990، وكنت من بين المدعوين له، والذي كسبت الكويت من عقده ليس التأييد الدولي فقط، بل وتأكيد تمسك شعبها بوطنه الصغير والجميل وقيادة أسرة الصباح أيضا. فقد جَسَّدَ المشاركون في المؤتمر التفافهم حول القيادة الشرعية، التي أكدت لهم متانة الروابط بينهم وبين الشعب الكويتي، ومواصلة المساعي الدؤوبة لاستعادة الوطن المغتصب من يد المحتل الآثم، وهذا ما جاء في كلمة القيادة في المؤتمر من أن الكويتيين عاشوا، منذ القدم، في أجواء الحرية، والتزموا الشورى، ومارسوا الديموقراطية في إطار الدستور الذي ارتضاه الجميع، وإذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن أمر من الأمور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي، فإنهم يكونون أشد تلاحما وإصرارا وتآزرا في مواجهة الأخطار التي تهددهم، وقد أخطأ النظام العراقي في فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، فظن أن ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من آراء لترتيب أوضاع الوطن باعثه خلافات وتناقضات بين أبنائه.
وجاء في كلمة المؤتمرين، التي القاها السيد عبدالعزيز الصقر، أن من أهم مبررات هذا اللقاء وهدفه، التي يجب الالتزام بها في إعادة بناء البيت الكويتي، التأكيد على المشاركة الشعبية القائمة على حرية الحوار وأغلبية القرار ورقابة التنفيذ. والعدوان لم يكن ليقع لو لم يكن هناك إنكار لدى المعتدي لدور الشعوب في تحديد مصائرها.
وفي الجهة المقابلة، أثبتت التجربة الكويتية أن أصحاب الرأي الآخر، عندما يلتزمون بأصول العمل السياسي، ويعملون بدافع الخدمة العامة والولاء الكامل للوطن وشرعيته الوطنية، ومن منطلق القناعة الفكرية المحررة من كل تبعية، فإن هؤلاء لا يمكن أن يقفوا إلا في صف الوطن ودرعا لشرعيتهم وحريتهم. والمشاركة الشعبية، التي ندعو إليها في الكويت، لا تحتاج إلى تنظير وتأطير، فهي واضحة المعالم والأسس والمؤسسات في دستور البلاد. كما أن الدستور أضحى، منذ لحظة صدوره، بمنزلة عهد وميثاق بين الشعب وقيادته السياسية، وقد اكتسب بالتأكيد تكريسا تاريخيا جديدا بعد أن مهرها شهداء الكويت بدم التضحية والفداء مع إصرار الشعب على التمسك بالشرعية معربا عن وفائه النبيل بعهده، واحترامه الأصيل لميثاقه.

***
ثم جاءت قرارات مؤتمر جدة، الذي عقد حينها تحت رعاية المغفور له، أمير الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد، وتلبية لدعوة المغفور له سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، في جدة في الفترة من 13 إلى 15 اكتوبر 1990، تحت شعار «التحرير.. شعارنا، سبيلنا، هدفنا»، وكانت إعلانا للعالم أجمع رفضنا القاطع لاحتلال نظام الحكم العراقي لوطننا، وزيف وبطلان كل الادعاءات والمزاعم التي ساقها نظام الحكم العراقي تبريرا لجريمة غزوه واحتلاله وطننا، وإدانة ومقتنا لكل أعمال القتل والبطش والتعذيب والإرهاب، التي مارسها النظام العراقي ضد المدنيين العزل الأبرياء من كويتيين ومقيمين. وكذلك لما قامت به قوات الاحتلال العراقي من اعتداءات على دور العبادة، وأعمال السرقة والسلب التي امتدت حتى الى المستشفيات والمدارس. وإعلانا للعالم أجمع على التمسك بنظام الحكم الذي اختاره الشعب منذ نشأته وارتضته أجياله المتعاقبة، وتأكيدا على وقوفه كله خلف قيادته الشرعية.. إلى غير ذلك من قرارات مهمة لا يتسع المجال لذكرها.
إن كلمتي القيادة، ممثلة بسمو الأمير الشيخ جابر، وولي عهده الشيخ سعد، وكلمة المؤتمرين، التي القاها المرحوم الصقر، يجب أن تدرس ضمن مناهج التربية، لتؤخذ منها العبر. ومؤسف أن أحداث ذلك المؤتمر ووقائعه لم تلق من التربويين ما تستحق من اهتمام.
أختم هذا المقال بالقول إنني، وبعد ما يقارب العيش لثلاثة ارباع قرن على هذه الأرض، لم اتعرض يوما لما يعرض حياتي للخطر في مواجهة أي جهة تمثل الأسرة أو الأجهزة الأمنية، ولم يداخلني الخوف يوما من التعدي على حريتي او كرامتي، طالما كانت تصرفاتي ضمن القانون، وهذا ما ميز الكويت، قيادة وشعبا.. دائما، ولهذا يجب أن نكون فخورين جميعا بوطننا، متمسكين بدستوره ووحدته.

الارشيف

Back to Top