للتاريخ
توفى مؤسس الكويت الحديثة، الشيخ مبارك الصباح، والذي منه يبدأ تاريخ الكويت الحديثة الفعلي، في نهاية نوفمبر 1915، وتولى الحكم بعده ابنه الأكبر "جابر، وفي عهده لعب دور الوسيط في مؤتمر الصبيحية بين العثمانيين وأمير نجد (حينها) عبد العزيز آل سعود. واستمر نهج التوسط المميز هذا في أابناءه وأحفاده، حتى اليوم.
توفى الشيخ جابر في 28 فبراير 1917، وتولى الحكم بعده أخيه الشيخ سالم، وفي عهد سالم وقعت معركة حمض في مايو 1920، عندما قام بإرسال الشيخ دعيج السلمان لردع الإخوان عن بناء هجرة لهم، ولكن هؤلاء قاموا، بقيادة فيصل الدويش، بإلحاق هزيمة بقوات الدعيج التي انسحبت إلى الكويت، وبسبب تهديدات الإخوان، أمر الشيخ سالم ببناء سور حول الكويت في نفس السنة.
تأزمت العلاقة بين ابن سعود وبين الشيخ سالم بعدها، وتطور الخلاف على الحدود، وخاصة بعد قيام بريطانيا بتجاهل الاتفاقية البريطانية التركية الموقعة فى 29/7/1913 وبتعديل حدود الكويت بموجب الفقرة 6 من اتفاقية 26 ديسمبر 1919 بين الحكومة البريطانية وابن سعود، دون علم الشيخ سالم المبارك، وعندما أحتج هذا وافقت بريطانيا على اجراء التحكيم بينه وبين ابن سعود، وفقا لاتفاقية 1913، حسب راي الشيخ صالم، أما بن سعود فقد قبل على أساس أن تكون حدود الكويت ضمن سورها الذي قامت ببناءه! وهنا طلبت بريطانيا من الطرفين توقيع تعهد بقبول قرار التحكيم، مهما كان، وهذا ما حصل.
بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى، وتحول العراق لحكم انتداب بريطاني، واستمرار الكويت كمحمية بريطاني، وبالتالي لم يكن لهما صوت فعال فى تخطيط الحدود، أو معارضة ما قرره المحكم "السير بيرسي كوكس" percy cox. وهكذا التئم مؤتمر العقير بحضور ممثل نجد الملك عبد العزيز، وصبيح نشأت، عن العراق، ومثل الكويت الميجور مور، وهو ضابط بريطانى. كما حضر الوسيط البترولي، دون صفة، الميجور فرانك هولمز، إضافة إلى السير بيرسي، والرحالة "أمين الريحاني، كمترجم".
وقد أورد م. صباح الريس في كتابة "تاريخ الهندسة في الكويت"، نقلا عن كل من هارولد ديكسون harold dickson وأمين الريحانى، ما جاء فى مؤتمر العقير، 22 نوفمبر 1922، حيث ورد على لسان الريحاني، كشاهد عيان، بأن مهمة المؤتمر كانت في تسوية النزاع على الحدود بين العراق و نجد، وعندما يأس المحكم بيرسي تعنت وفدي العراق والسعودية، وصمت ممثل الكويت التام، استشاط غضبا، وقرر ان يفرض رأية على الاطراف المتنازعة، فمسك بقلم أحمر ورسم بدقة على خريطة شبه الجزيرة العربية بحيث أعطى العراق مساحة كبيرة من الاراضى التى تدعى نجد ملكيتها، وقام بترضية ابن سعود باقتطاع ثلثى أراضي الكويت وضمها له.
وهنا طلب ابن سعود أن يختلي ب"بيرسي"، وقال له بما يشبه الأنين: يا صديقى لقد حرمتنى من نصف مملكتى، ومن الافضل ان تأخذها كلها وتدعنى أرحل وأتوارى عن الانظار. ثم انفجر بن سعود فى البكاء والعويل، وهو مازال واقفا مكانه، وانزعج السير بيرسى انزعاجا شديدا من الموقف، فامسك بيد ابن سعود، وأخذ هو الآخر فى البكاء، وكانت الدموع تتساقط على وجنتيه! ولكن العاصفة العاطفية لم تستمر طويلا، حيث قال السير بيرسى، وهو مازال ممسكا بيد ابن سعود: "يا صديقى انا ادرك حقيقة مشاعرك ولذلك اعطيتك ثلثى أرض الكويت و لست ادرى كيف سيواجه ابن صباح هذه اللطمة. وبقي الميجر مور صامتا، دون كلمة واحدة.
واليوم، بعد مائة عام تقريبا، لا يزال خط الحدود الذى رسمه السير بيرسى صامدا، وإن اعتبر طعنة نجلاء سددت للكويت، ودفعت الشيخ للشك في نزاهة بريطانيا، فقد كان الاتفاق مناقضا لكل التزاماتها السياسية والقانونية والأخلاقية تجاه محميتها الكويت، التي تفرض الاتفاقية عليها صون حدود محميتها، ووحدة اراضيها، والزمت امير الكويت بعدم التنازل عن اى جزء من اراضيه دون موافقة بريطانيا، مما يعنى ايضا انه لا يحق لبريطانيا التنازل عن اراض من الكويت دون موافقة الامير! ثم ما معنى الحماية إن لم تعني الالتزام بحماية حدود الكويت؟
أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top