هيَّا على الفساد

اعترفت الحكومة علناً، وبنص مكتوب، بعدم وجود إستراتيجية شاملة لمكافحة الفساد لديها. وعلى الرغم مما يمثله هذا الاعتراف من فاجعة فإنه يحسب للوزيرة الصبيح، فإن تعترف بالتقصير خير من أن تبقى صامتة، كما كان دأب الحكومة لسنوات.
وعلى الرغم من خطورة الموضوع، فإنه مر من دون أن يعلق غالبية المراقبين عليه. كما التزمت الجهات الرقابية الصمت اتجاهه، وهذا يعني علمها وقبولها الضمني بوجود مشاريع بعشرات مليارات الدنانير لا تخضع لأي خطة مكافحة فساد!
كما تشير مصادر معنية أخرى إلى أن الشبهات لا تطال العقود والمناقصات، بل ان سوء استخدام الموارد يشمل مكافآت مليونية لا يستحقها من يتقاضاها، وترقيات بالمحسوبيات، وهدرا في التموين المدعوم، كما في دعم العمالة، ناهيك عن هدر مئات الملايين على العلاج في الخارج، وأرصدة العهد المليارية الخرافية، وغيرها من بنود الصرف، التي تناولتها الألسن باستمرار، ولم يتحرك للجهات الحكومية المعنية أي رمش، خوفاً أو خجلاً أو تواطؤاً، بل يكتفي المعنيون بتناول ذلك، كما لو ان الأمر لا يعنيهم.
للزميل عبدالله المديفر، مقال نشر قبل سنوات في «اليوم» السعودية، ذكر فيه أن رجلاً دخل على والده الفاسد، وهو على سرير المرض، وقال له علمني يا أبت في الفساد علماً لا أسأل بعده أحداً، فقال الأب: يا ولدي للفساد قواعد وأصول، لابد أن تتعلمها وتراعيها، والسياسيون يعرفون ذلك، كما له حسابات غير تلك التي تعلمتها في المدرسة، فعليك أولاً ألا تكون وحدك، فهو عمل جماعي يتطلب منك مشاركة الفاسدين وتوثيق صلاتك بهم، وابحث عن الرجال، الذين يقول الناس عنهم إنهم «فوق القانون»، واشتر شراكتهم بغالي الأثمان، فهؤلاء يعلمونك مهارات لا يملكها غيرهم، ويختصرون عليك الزمن في صعود سلم الفساد، وسترتكب خطأ جسيماً يا ولدي إذا كانت قطعتك من الكيكة أكبر من قطعة من هو أعلى منك، فكعكة الفاسدين لا تقطع بالتساوي. كن كريماً يا ولدي ففتات الفساد، الذي توزعه على الفاسدين الصغار سيشجعهم على إحضار مزيد من الكيك الفاسد.
كما أن الفاسد المحترف يا ولدي لابد أن يكون ملماً بالقانون، فالمختلسون البدائيون يذهبون للسجن، والمحترفون يصفق لهم الناس، ويكرمون أمام عدسات المصورين.
تعلم يا ولدي كيف تغرق أدلة فسادك، فالإغراق أسهل من الدفن. وعليك ألا تخاف ولا تخجل يا ولدي من الفساد، فنحن كبار، وموجودون في كل حكومة وشركة وحارة.
عليك أن تقيم الحفلات الصاخبة بين القطاعين الخاص والحكومي، فكلما زاد السهر بينهما زاد الفساد، وتذكر أن كبار رجال الأعمال أقدر الناس على إفساد كبار المسؤولين. كما ان الفاسد يا ولدي يكره اسم الرشوة فيصفها بالعمولة. كما يجب ألا تنكر الفساد، بل تحدث على أنه كبير لدرجة لا يمكننا إزالته وعلينا التعايش معه. كما عليك التحدث عن النزاهة، ولا تخجل من سب الفساد. قدم خدمات جليلة لمطاردي الفساد، وخذ معهم الصور التذكارية وأنت مبتسم، فقد يغضون الطرف إذا عثروا عليك متلبساً.
لا تقلق من كثرة المؤسسات التي تكافح الفساد، بشرط أن تنجح في ازدواجيتها وعدم تكاملها. ابحث عن ذراع إعلامية تساعدك، فالانتهازيون من الإعلاميين سيختصرون عليك خطوات كثيرة. لا تقلق، فالفساد مرض معدٍ، وصاحب الدخل المحدود، الذي تمر الملايين من تحت يده، سيضعف يوماً ما ما دامت الرقابة ضعيفة، فالبيروقراطية يا ولدي بيئة رائعة للفساد، فعن طريق تأخير مصالح النزيه، أخدم مصالح الفاسد.
أكثر يا ولدي من الأنظمة المتراكمة بعضها فوق بعض، فبينها ينمو الفساد بأمان، وانشر ثقافة أن صاحب الحق لا يصل لمستحقه حتى تمطر سحائبه على من بيدهم الأختام. ابتسم عندما تشاهد عامل القهوة يأخذ أكياس الشاي لمنزله، وعندما يضع الموظف البسيط الأقلام في جيبه، فبيئة الفساد تحول الأنقياء مع الزمن.. انتهى الاقتباس.
من الصعب تعداد كم الحالات والصور و«الشخصيات» التي مرت بخيالي، وأنا أزيد وأشطب من مقال المديفر المبكي في صدقه، المؤلم بكلماته، ومدى انطباقه على وضعنا.
وبالمناسبة، قام كاتب سابق في الوطن، وفي خطبة عامة، بالتهجم على سراق الناقلات!

ملاحظة:
تبيّن أن من أخبرنا عن وقف تدريس اللغة الإنكليزية في مدارس الكويت الابتدائية لم يكن دقيقاً، كما أن ما ذكره الأستاذ محمد الربيعي عن وقف عبدالناصر تدريس الإنكليزية في مصر أيضاً غير دقيق.. فالمعذرة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top