قصتي مع البقَّال

زواجي بغير كويتية تطلب ـــ بحكم الظروف ــــ قيامي شخصياً بمهمة شراء احتياجات البيت من أغذية وغيرها. وفي أحد الأيام لاحظت زوجتي أن من بين كمية الفواكه التي اشتريتها برتقالاً غير طازج، فأسمعتني محاضرة في كيفية اختيار الجيد والطازج من الفواكه، فاقترحت عليها ــــ طالما هي بكل تلك الخبرة في الفواكه واللحوم، والأكثر فهماً مني في أمور التسوّق، والأطول بالا والأحسن ذوقاً ــــ أن تقوم بمهمة التسوّق بكل احتياجاتنا! لا أعتقد وقتها أنها كانت تعلم ما ستنتهي الحال عليه، حيث أصبحت مع مرور الوقت مسؤولة، ليس فقط عن تلبية احتياجات البيت من طعام، بل وكل ما تبع ذلك تاليا من مهام تتعلق بشؤون من يعمل لدينا، وسداد فواتير البترول والماء والغاز وغيرها الكثير.
توقفي تماما عن شراء متطلبات البيت وشؤونه الداخلية أراحني من جهة وأثر علي سلبا من جهة أخرى. فقد أصبحت أقل حصافة في اختياراتي وأقل دراية بفن التسوق وأقل صبرا في الاختيار، وأوقعني ذلك في مطبات ومواقف محرجة نتيجة عدم إلمامي بـ«اتيكيت» تقديم الهدايا ونوعية الاختيار وما يجب تقديمه للضيوف في مجتمع يحب المظاهر ويعطي أهمية كبيرة لوفرة الطعام وتعدد أصنافه، بصرف النظر عن الحاجة له، أو عدد من سيتناوله.
ما ابديته، في مقال سابق، من جهل بالشراء، دفع القارئ توفيق عوض لأن يتبرع بشرح كيفية التفريق بين الكزبرة والبقدونس، حيث قال ان أوراق الكزبرة تشبه أوراق البقدونس، ولكن حجمها اصغر ولونها أقل اخضرارا بقليل، ويتم تناولها كما هي دون طبخ، وقد تضاف ليخنة أو مرقة السمك.
أما البقدونس فإن أوراقها خضراء وأكثر غمقا من الكزبرة وأكبر حجماً، وطعمها مر قليلا، وملمسها خشن، وبالإمكان تمييز رائحتها في الفلافل المصرية، التي تصنع عادة من الفول ،وبالتالي داخلها أخضر. أما الفلافل الشامية فإنها تصنع من الحمص، أو النخي، ولذا فهي صفراء من الداخل.
أما أول، وآخر، تجربة لي مع الطبخ فقد كانت في لندن، شتاء 1985، عندما قررت تحضير شوربة العدس على الطريقة الكويتية، حيث قمت بتفريغ كيس العدس في قدر نصفه مملوء بماء مغلي. وبعد دقائق اضفت البطاطا للعدس، ثم البصل ثم الفلفل والملح والطماطم، والثوم والحامض وكمية من التوابل الغريبة التي كانت في مطبخ الشقة، وغطيت القدر، وذهبت لمتابعة مباريات ويمبلدون للتنس من على التلفزيون.
بعد لحظات بدأت تصدر من المطبخ أصوات صفير واهتزاز، فذهبت جريا لأستطلع الأمر فوجدت غطاء القدر يرتجف ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال، فرفعته، وإذ بخليط العدس، الذي كان بالكاد يملأ ثلث القدر، قد بدأ بالفوران والانسكاب لخارجه. أفرغت نصف محتوى القدر في آخر ووضعتهما على النار، وذهبت لمتابعة المباراة. بعدها بدقائق تكرر الصفير نفسه وإن مضاعفا في قوته، فذهبت ورأيت نفس حالة الفوران، والعدس لا يزال صلبا والبطاطس غير مطبوخة، فكررت عملية التفريغ لقدرين آخرين، وهكذا إلى أن أصبحت كل أواني المطبخ مملوءة بمرقة العدس، ومحتويات كل إناء تختلف في طعمها وشكلها ولونها عن الإناء الآخر.
وخلال اسبوع كامل لم أتناول شيئا غير مرقة العدس، وإن بنكهات مختلفة، وتسبّب ذلك في كرهي للعدس ولأعراضه الجانبية لسنوات، لم تطل كثيرا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top