الخطبة المسيئة


يقول المفكر المصري الكبير زكي نجيب: ما هو التطرف في الفكر؟ هو أن تختار مسكنا فكريا وعقائديا لتقيم فيه راضيا عن نفسك، ولكن لا تريد في الوقت نفسه لغيرك أن يختار ما يطيب له من فكر وعقيدة، بل تلزمه إلزاما بالحديد والنار، أحيانا، أن ينخرط معك تحت سقف فكري واحد!
وهذا ما تفعله وزارة الأوقاف عندنا، وما يفكر فيه معظم مسؤولوها الذين اتخذوا من مبناها مسكنا فكريا لهم، يتهجمون فيه على مخالفيهم.
قد يرد قائل بأن ما يقوم به هؤلاء هو من صلب مهامهم، وهذا صحيح، ولكن العبرة بالنتيجة، فما الذي جنته الشعوب الإسلامية على مدى عشرات القرون من محاولة القوى الدينية فرض لون واحد من التفكير العقائدي عليها؟ ولماذا نجد أن أكثر الدول تقدما أكثرها ألوانا وتعددا في عقائد وأفكار أفرادها، وبالتالي أكثرها قوة ورقيا؟
إن الزمن الذي كان فيه بمقدور أي نظام شيوعي.. ديني.. رأسمالي.. فرض كامل وصايته وفكره الأوحد على الشعوب قد ولى إلى الأبد. كان هذا ممكنا إلى حد ما عندما كان الجهل سائدا والشعوب، في غالبيتها، لا تعرف طريقة عيش غيرها من الشعوب وما لديها من إمكانات، ولكن مع كل هذا الانفتاح العالمي، وانتشار وسائل التواصل وكل هذا الاندماج والاختلاط الثقافي والسياسي والتجاري والصناعي للمجتمعات فقد أصبح فرض اللون الواحد مهمة شبه مستحيلة على المدى القصير، ومستحيلة تماما على المدى البعيد، فلِمَ كل هذا الهرج وتضييع الجهود من غير طائل، في الوقت الذي نعرف أنه لا وزارة الأوقاف ولا عشرات غيرها، بكل ما تملك من قوة وبطش ومال وإعلام وقوانين، بإمكانها فرض رؤاها على الناس من دون أن يكون للأمر تبعات خطيرة تتجاوز بكثير ما سعت لتطبيقه؟
كيف يمكن لعاقل، أو حتى نصف مجنون، أن يعتقد أن حرية المرأة تعني انسلاخها من الأعراف والعفة والحياء والانحلال والسفور.
وكيف يمكن أن يسمع خطبة «الأوقاف» مئات الآلاف وتضعها «الأوقاف» على موقعها الإلكتروني ثم يتجرأ وكيل وزارة الأوقاف ويصرح بأن خطبة الجمعة (23 مارس) لم تتضمن أي اتهام للمرأة غير المحجبة بأنها من أهل الانحلال؟ كيف يمكن لمسؤول كبير، ومنتم لحزب سياسي ديني أكبر، أن ينكر صريح ما قيل في الخطبة، التي ربطت الإلحاد والكفر والانحلال بحجاب المرأة، وما تعليقه على كل ما تعرض له تصريحه من تكذيب مباشر من مئات المغردين؟
نعيد ونكرر أنه ليس أمام مسؤولي وزارة الأوقاف غير الإقرار بحق المرأة في السفور والتبرج والتزين، فهي أمور شخصية في العالم أجمع، وليست انحلالا أخلاقيا، فالحكم على الأخلاق وقياس الانحلال لا يتمان من المظهر الخارجي حتما. ومن يؤمن بأن السفور ملازم للانحلال الأخلاقي فهو لا شك يدعو الى انتشار الكذب، والنفاق الاجتماعي الذي يأخذ المظاهر بعين الاعتبار ويغفل ما تعنيه الأخلاق الحقيقية. وماذا عن مظاهر الانحلال الأخرى في الدولة من فساد مالي وسرقات جمعيات تعاونية وخيرية، والتربح من عمليات النصب العقاري وغسل الأموال، وقضايا «البدون»، وعشرات قضايا الفساد المحالة الى النيابة، ومنهم موظفون كبار في وزارة الأوقاف نفسها، وهيئة القرآن بالذات!
مؤسف بعد كل هذه الاتهامات وكل هذا النفي غير السليم والصحيح، أن يبقى وكيل الوزارة في منصبه يوما واحدا؟

ملاحظة:
قال النائب أحمد الفضل لوزير الأوقاف: «وكيل وزارتك يقول إن خطبة الجمعة لم تتهم المرأة غير المحجبة بأنها من أهل الانحلال! فعلى من يضحك؟ فليس أقبح من الخطأ إلاّ قُبح محاولة تبريره، وليس أشنع من فِعله إلا عدم محاسبته».

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top