اتركوا الوزارة وشغلوا عقولكم

لا أتذكر السنة بدقة، ولكن كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية بفترة عندما قام تجار الأسماك في بريطانيا بزيادة أسعارهم من دون مبرر، وأصبح من الصعب على غالبية ربات البيوت الحصول على مادة غذائية ضرورية بسعر معقول، على الرغم من طول سواحل الجزيرة وغنى بحارها وأنهارها بمختلف أنواع الأسماك.
لم يجد البريطانيون طريقة للتأثير في أسعار السمك غير امتناع ربات البيوت عن شرائه، و«تركه ليخيس» أو يفسد! وهذا ما حدث حيث انهارت أسعار السمك قبل أن تعود لمستوياتها المعتدلة السابقة.
بقيت تلك الحادثة في ذاكرة الطرفين لفترة طويلة، واصبحت مثلا يضرب ودلالة على قوة المستهلك الذي إن استعمل عقله، وتخلى عن أنانيته، فإن بإمكانه فعل المستحيل.
نقلت لنا وسائل إعلام عالمية، ومنها القبس، نفوق الكثير من الأغنام الاسترالية بالذات أثناء عمليات نقلها إلى دول الخليج، ومنها الكويت، بسبب الإجهاد والحرارة وسوء التعامل معها في رحلة بحرية شاقة وطويلة. وطالب مشرعون أستراليون حكومتهم بوقف تصدير الأغنام نهائياً إلى المنطقة، أو على الأقل خلال أشهر الصيف.
وفي هذا الصدد قدمت عضو البرلمان الأسترالي سوسان لي مشروع قانون للبرلمان من شأنه التخلص تدريجياً من تجارة تصدير الأغنام الحية إلى الشرق الأوسط، خلال السنوات الخمس المقبلة.
وإن تم تمرير القانون، فسوف يتم تعليق تصدير الأغنام الحية للمنطقة فورا على مدار أشهر الصيف القادمة، مع توقف تصديرها كليا مع عام 2023. وجاء تحرك البرلمانيين هناك بعد انتشار لقطات فيديو مزعجة في وقت سابق من هذا العام، أظهرت نفوق أغنام في ظروف مروعة خلال الرحلات المتجهة إلى الشرق الأوسط.
ولا شك أن القرار سيؤثر حتما على تجار ومربي الأغنام في أستراليا ودول المنطقة، ومنها الكويت، وسيدفعهم إما للجوء إلى مصادر أخرى أو استيراد الأغنام مذبوحة بدلا من حية.
كما أن تأثير هذا القرار سيكون سلبيا على المستهلك المحلي الذي اعتادت «أسنانه» على طعم اللحم الاسترالي المهجن مع العربي. وسترتفع أسعاره أكثر مع نهاية شهر الصوم، وأكثر مع اقتراب عيد الأضحى الذي ستنحر خلاله مئات آلاف الخراف، التي ستنتهي في الحفر غالبا، ولكن هذه مسألة أخرى.
لمواجهة القرار الأسترالي، الذي أتفهم مغزاه جيدا، فإن علينا التخلي عن أنانيتنا، وأن نكون صحيين أكثر ونسدي خدمة كبيرة لأنفسنا وصحتنا عن طريق تخفيض استهلاكنا من اللحوم فورا، أيا كان مصدرها. ولو شاركني مئة ألف شخص فقط في هذا القرار فهذا كفيل بتقليل الاستهلاك وتخفيض الأسعار، تلقائيا. وبهذا نبطل التأثير السلبي للقرار الأسترالي على أسعار الخراف في السوق المحلية.
وفي جانب آخر، لا أدري لماذا لا يقوم كبار رجال الدين في المنطقة، بعد أن اصبحوا أكثر انفتاحا على العالم، بإصدار فتوى عظيمة ومفيدة تدعو للتقليل من تناول اللحوم وتقليل نحر الأضاحي في المناسبات الدينية القادمة والدعوة لمشاركة أكثر من طرف في الضحية الواحدة، لنصبح بشرا أفضل ومحبين للبيئة ونساهم بهذا القرار في تقليل استهلاك اللحوم، ووقف السلبي من تأثيرها على صحتنا، والمساهمة في وقف هذا الهدر غير المبرر في عدد الخراف التي تنحر، وكل هذا سيساهم حتما في تخفيض أسعار اللحوم في دولنا، وفي جعلنا أكثر إحساسا بالمسؤولية.
إننا، كمواطنين ومقيمين، بحاجة فعلية لترك الجلوس الكسول، وضرورة تحريك عقولنا والقيام بفعل مفيد، وأخذ زمام المبادرة ووقف الاعتماد على وزارة التجارة لكي تتدخل بحكمة «الماما الحكومة» وتراقب الأسعار وتعاقب التجار، وتسجن الفجار، فالمستهلك بيده أن يفعل الكثير!
إن الهلع الذي سيصيب سوق الخراف الحية ان توقفت أستراليا عن إرسالها لدولنا سيكون دليلا آخر على فشل، وربما كذب، كل ما قيل واشيع وروج له على مدى عدة عقود عن «فضيحة» الأمن الغذائي، والتي استخدمت عذرا لتوزيع ملايين الأمتار مجانا على المحظوظين من المواطنين، دون نتيجة تذكر.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top