سمو الرئيس.. مئة مرة

للبرلماني السابق جمال العمر موقف طريف، مسجل على اليوتيوب، يتعلق بقيامه في إحدى جلسات المجلس بتكرار جملة «السيد الرئيس» لعشرين مرة، من دون مبالغة، في محاولة منه للفت نظر رئيس المجلس اليه.
وتشبّهاً بموقفه، مع تحفظنا على كل سابق مواقف هذا النائب، فإننا نكرر، ولكن بألم «يا سمو الرئيس» يا سمو الرئيس، يا سمو الرئيس، من فضلك التفت الينا، واسمع منا، وامنح مواطنيك شيئا من ثمين وقتك، وأقرأ هذا المقال.
نشأت الكويت، واستمرت ولا تزال كدولة تجارية، وكان مصدر رزقها الوحيد التجارة مع البحر وما في البحر، وعبر البحر، وكان لتجارها، عبر تاريخها الحديث دورهم السياسي والاقتصادي الحيوي والمهم، مع شديد الاحترام لبقية مكونات الأمة الأخرى، التي قد تكون لها أوضاع أكثر أهمية.
بدأت الكويت في الآونة الأخيرة بتكثيف جهودها، والسعي بقوة نحو الانفتاح على العالم، ومحاولة جذب الحكومات والشركات العالمية للاستثمار، والعمل في الكويت، وهذا لا يمكن ان يكون سهلا بغير بيئة عمل صحية تجارية مناسبة، فرأس المال جبان، وسريع الملل وكثير الشك، يهرب من المشاكل، ولا يحب التعقيدات الإدارية غير المبررة.
أسست أول شركة في حياتي قبل نصف قرن، وتلتها الكثير، وكانت آخر تجاربي مع تأسيس الشركات قبل ثلاثة أشهر فقط، عندما سعيت مع آخرين لتأسيس شركتين في وقت واحد، ولا أزال منذ أكثر من 90 يوماً «أكافح» و«أصارع» و«أسعى»، ومعي مندوبان اثنان في ملاحقة معاملات التأسيس، وسأحتاج حتماً لأكثر من شهر لأنتهي من كل التعقيدات ومتطلبات حكومة القرن الحادي والعشرين.
لا أبالغ إن قلت لك إنني قمت بعشرات الزيارات، وقام كل مندوب بضعف ذلك من زيارات للتجارة والعدل وهيئة العمالة والبطاقة المدنية والأدلة الجنائية والمباحث الجنائية، وغيرها من إدارات الداخلية، والبيئة والمعلومات المدنية والمطافئ، وهيئة الصناعة.. وطبعاً إدارات البلدية، وما أكثرها!
دفعت خلال ذلك ولا أزال رسوماً ومصاريف بلغت أكثر من ألفي دينار. وأجزم بأنه لولا علاقاتي الطيبة بجهات كثيرة، وما اتمتع به من «ميانة» واتصال بضباط وموظفين كبار ساعدوني في إنجاز معاملاتي، ولهم كل الشكر والمحبة والاحترام، لطال انتظاري لستة أشهر على الأقل، بدلا من 120 يوما.
الموضوع لا يتعلق فقط بشكوى من تأخير الإنجاز، والبطء في الإجراءات، والتعقيد في المعاملات، والمماطلة، وتكرار «تعال بعد اسبوع»، وراجعنا بعد العيد، فهذه «قد» تتغير يوماً ويطولها التطوير، بل ويتعلق أيضا بما تسبب به هذا النظام من تخريب للنفوس والضمائر، فبيئة معطلة وروتينية قاتلة، هذه بيئة صالحة لانتشار الرشوة، بحيث أصبح من الصعب جداً إنجاز شيء من دون «إضافة» بعض الزيت للسير لكي يتحرك ولتنتقل المعاملة الى المرحلة التالية، وخراب النفوس والضمائر هذا هو المقلق، وسكوت حكومتنا الرشيدة عن هذا الوضع يقلقنا أكثر، ويدفع البعض منا الى الاعتقاد بأن تدهور الوضع الأخلاقي في الأجهزة الحكومية عملية مقصودة، فهل، يا سمو الرئيس، من يثبت لهؤلاء خطأهم؟!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top