أنتِ الأفضل يا سيدتي

نعيد ونكرر للمرة المئة بعد الألف أن مكانة أي دولة وتقدمها الحضاري وإنسانيتها تقاس بأمور عدة منها اهتمام تلك الدولة بتعليم أبنائها والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة، وبصحة أفراد المجتمع وتوفير الأمن لهم وغيرها من أمور حيوية، ولكن المؤشر الأهم الذي يمكن به قياس تحضر أي مجتمع هو مكانة المرأة فيه، فكلما تدنت، تدنت معها أخلاق ذلك المجتمع وتدنى بالتالي مستواه بين الأمم، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
ما لا «يحس به» الكثير من الرجال، وقلة من المتخلفات، ان المرأة ليست «أنثى» فقط بل هي أم وأخت وزوجة وصديقة وابنة وحبيبة، وكل جميل في الحياة، ونسبتها لا تقل عن نصف المجتمع، وعليها تقع مسؤوليات حيوية في غاية الأهمية لبقاء الجنس البشري وتقدمه، فكيف ينظر البعض لها، بعد كل ذلك، نظرة دونية بحيث يصبح حتى اسمها «عورة»؟
في وزارة الصحة الكويتية، التي لم تستطع مقاومة التخلف في أجزاء منها، لا يسمح لأي امرأة، أي امرأة، حتى لو كانت كبيرة في السن أو عالمة فيزياء أو وزيرة، أو حاصلة على جائزة نوبل، بالتوقيع على نماذج المستشفى التي تتعلق بالموافقة على دخول مريض أو خروجه من المستشفى أو إعطاء الموافقة بإجراء العمليات له، وكل ذلك بصرف النظر عن قرابة هذه المرأة للمريض أو المريضة، لدرجة يبقى فيها المريض بغير علاج أو عملية جراحية أو حتى السماح له أو لها بالخروج من المستشفى، إلا بعد حضور «ذكر» من العائلة لتوقيع التعهدات والمستندات المطلوبة، ومن بعدها يتم السماح باتخاذ الإجراء اللازم. وتصل المأساة لذروتها عندما لا يسمح لدكتورة من خارج المستشفى مثلا بالتوقيع على الأوراق اللازمة لإجراء عملية لأبيها أو أمها، ولكن يسمح لأخيها السكير أو مدمن المخدرات، او خريج السجون بذلك، فقط لأنه «ذكر»!
ما لا يود البعض معرفته والاقتناع به أن المرأة، في المجتمعات المتحضرة بالذات، تقوم بأدوار واعمال ووظائف تفوق ما يقوم به الرجل بمراحل، وقد حاولت ناشطات معروفات، ومنهن الزميلة إقبال الأحمد، تغيير هذا الواقع البائس في مستشفيات الحكومة بالذات، وإلغاء هذا «الإجراء الطبي» الذي لا يستند لأي منطق أو قانون، إلا ان «التقاليد الطبية»، إن وجد شيء من هذا القبيل، وقفت سدا امام تحقيق المطالبات المتعددة لوقف هذا الأسلوب غير الإنساني ولا الحضاري، والوضع لا يزال على حاله مسببا حالة إعسار وكآبة وظلم وتخلف للكثيرين، من دون سند من منطق.
وبالتالي سرني سماع نية النائب عبدالوهاب البابطين تقديم اقتراح لمجلس الأمة يتعلق بهذا الموضوع وضرورة قبول توقيع قريب المريض، خاصة من الدرجة الأولى، بصرف النظر عن جنسه، فالتمسك بالذكورية في مثل هذه القضايا أمر مضحك ولا يعني شيئا، خاصة أن وجودها غير مؤكد أصلا لدى البعض.

الارشيف

Back to Top