كُلُّنا سمير رحال

يقول المثل الصيني: لا تعطني سمكة لعشائي، بل علمني كيف أصطادها! وأجزم أننا آخر الأمم إيماناً بهذا المثل.. وإليكم الأسباب.
تُوفيت في بيروت قبل فترة قصيرة المتسولة المعاقة فاطمة عثمان، ووجدوا عند جثتها داخل سيارة قديمة وخربة أكياس بلاستيك سوداء بداخلها ملايين الليرات، ودفتر إدخار مصرفي رصيده مليار و700 مليون ليرة، أي أكثر من مليون ومئة ألف دولار.
كنت قبل أيام مع صديقي اللبناني سمير رحال نقف على إشارة المرور عندما قام بمد يده للخارج لإعطاء صبي متسول نقودًا، فطلبت منه ألا يفعل وذكرته بقصة المتسولة المليونيرة، فرد بأنه لا يتصدق بالمال من أجل الفقير بل لكسب الأجر. فقلت له إن فعلته تلك ستشجع الصبي ومن يقف وراءه على البقاء في الشارع والتشبث بالتسول بدلاً من القيام بعمل شريف، أو الالتحاق بمدرسة أو معهد، فقال إن هذا «آخر همه» فهو ليس مسؤولاً عن البشر بل باحثٌ عن الأجر.
هذه الحقيقة التي نطق بها صديقي سمير هي لسان حال غالبية محسنينا، وهذه الحقيقة أدركها البعض مبكرًا واستغلوها بطريقهم على مر التاريخ، وحققوا من ورائها مبالغ طائلة. كما شاركت بعض الجمعيات المنتمية لأحزاب دينية في هذا الاستغلال خاصة أثناء مآسي كوسوفو والبوسنة والصومال وسوريا والعراق، وما يحدث حاليًا في أفريقيا واليمن وغيرهما. وقد تألمت كثيرًا وأنا أنظر إلى صورة صبي أفريقي حوَّله الجوع إلى هيكل عظمي مغطى بالجلد، وهو يحمل بيده نسخة فاخرة الطباعة من القرآن!
كما تذكرت خبراً قرأته قبل فترة عن قيام المغني الأميركي الراحل مايكل جاكسون بالتبرع بمبلغ 100 مليون دولار تقريباً لبناء أربع جامعات في أفريقيا، وتساءلت عن سبب خلو مشاريع جمعياتنا في دول الخليج من مثل هذه الأفكار العظيمة الأهمية، ولماذا تقتصر طموحاتها على حفر الآبار وتجييش الدعاة، وبناء دور العبادة وطباعة الكتب الدينية، ولم تتبنَّ مشروعاً واحدًا يمكن الإشارة إليه بالبنان، هذا إذا استثنينا الكتاتيب الدينية.
ما نقوله ليس سخرية، بل لحث الجماعة على فعل الخير لأجل الخير وليس قصره فقط على الأعمال التي يأتي الأجر من ورائها، نقول ذلك ونحن نعلم أنه حسب مفهوم هؤلاء فإن بناء الجامعات ليس من أعمال الخير التي يستحق الأجر عليها.
ولو قمنا بإلقاء نظرة سريعة على رؤوس أموال بعض الصناديق الخيرية الأميركية منها فقط، التي تبرع بأرصدتها متبرعون كرماء من حر أموالهم، ومما استقطعوه من أموال الضرائب، لاكتشفنا الفارق العظيم ليس فقط في حجم تلك الأموال، مقارنة بما جمعناه ونهبناه وضيعناه من أموال التبرعات، بل بالأهداف العظيمة التي حققتها إيرادات هذه الوقفيات الغربية، ودورها المؤثر والعظيم في حياة الأفراد والمجتمعات في كل أنحاء العالم، وفضلها الكبير على ما نتمتع به الآن من اختراعات واكتشافات جرى تمويل الكثير منها من ايرادات تلك الصناديق الوقفية، وسبق أن أوردنا جدولاً بها في مقال سابق، وغيرها الكثير، التي دُفعت لأجل الخير فقط وليس لكسب الأجر. وهنا نهمس في أذن جارنا بالقول إن هذه الوقفيات تدر سنوياً ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار يصرف جلُّها على العلوم الانسانية والاكتشافات العلمية، والطبية، والفنون بكل انواعها وتمويل الأبحاث والدراسات الجامعية، التي استفاد منها آلاف الطلبة العرب والمسلمين. كما يصرف ريعها على المختبرات العلمية، ولا يخصص اي جزء من تلك المبالغ للصرف على علاج الممسوسين بالضرب لإخراج الجن منهم، كما كان يفعل أحدهم وما تسبب به من قتل أحد مرضاه، ومع هذا جرى وقف تنفيذ عقوبة السجن بحقه، ومنح جنسية الدولة ثم سحبت منه بتهمة تعريض أمن الوطن للخطر، لتعاد إليه تالياً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top