عدو المسلمين الحقيقي

بدأت الكويت بتطعيم أطفال المدارس قبل غيرها من دول الجوار بعشرات السنين، والفضل في ذلك يعود الى الحكم المستنير، ولأطباء مميزين من أمثال المرحوم د. يحيى الحديدي، الأمر الذي جنب عشرات الآلاف من مواطني اليوم، الذين كانوا أطفالا صغارا في الخمسينات والستينات، الإصابة بأوبئة خطيرة، كالحصبة وشلل الأطفال، ومع هذا لا نجد حتى اليوم شارعا باسم د. الحديدي، في الوقت الذي توجد به شوارع لأشخاص كل ميزتهم أنهم ماتوا، كما قال يوما محمد مساعد الصالح!
أتذكر جيدا عندما كنا صغارا، ويعلن في المدرسة أن اليوم التالي سيكون «عطلة التطعيم»، أتذكر أن أسرا كثيرة كانت تمنع أبناءها من الذهاب الى المدرسة في ذلك اليوم لشكها في نوايا الحكومة، خصوصا من الناحية الدينية، إضافة لما كان يصاحب التطعيم وقتها من مضاعفات جانبية.
واليوم، وعلى الرغم من مرور ستين عاما، فلا يزال الشك من عملية التطعيم يعشش في عقول الملايين، خصوصا في الدول الإسلامية الفقيرة، وهذا ساهم في انتشار الحصبة فيها. فلا تزال اندونيسيا مثلا، بسبب إخفاء نسبة كبيرة من الأهالي لأطفالهم ومنعهم من تلقي التطعيم، نتيجة خوف أو ربما استجابة لفتوى «عالم مسلم»، تعتبر من الدول التي تستوطن فيها أوبئة عدة ومنها الحصبة!
ويقول د. خالد منتصر: «… لم أصدق عينيّ حين قرأت هذا الخبر، هل نحن ما زلنا في العصور الوسطى؟ هل نحن نستحق أن نعيش هذا الزمن؟ هل صرنا خطراً على العالم إلى هذه الدرجة؟ ألا يكفي العالم أحزمتنا الناسفة التي نفجر أنفسنا فيهم ونحن نهتف الله أكبر، فنضيف بغباء وجهل إلى قائمة خطايانا منع التطعيمات حتى تتفشى الأوبئة والأمراض بيننا وتفتك بالأطفال الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في بلاد تظن أن مسؤوليتها هي توصيل مواطنيها «دليفري» إلى الجنة؟».
وبالتالي نشعر بالأسى والأسف عندما نرى أنه كلما اقتربت منظمة الصحة العالمية من استئصال وباء ما من العالم، نجد من الدول الاسلامية غالبا مَن يقف سدا أمامها بالبالي من تقاليدها، مانعا إياها من أداء أو إكمال مهمتها، ولو تطلب ذلك قتل الأطقم الطبية والممرضين الدوليين، كما حدث في أكثر من دولة إسلامية، لمنعهم وغيرهم من زيارة المناطق النائية وتطعيم أطفالها، لشكهم في أن ما يقومون به يشكل مؤامرة صليبية تهدف الى حقن دماء المسلمين الزكية بمادة الجيلاتين! وبعد كل ذلك نتساءل لماذا نحن متخلفون ومرضى وضعفاء وفقراء؟
وهنا اتذكر أن الكثير من مؤسساتنا الدعوية وجمعياتنا المسماة بالخيرية وحتى من اعتبروا يوما من رموز العمل الخيري، لم يقوموا يوما، بالرغم من «إنفاقهم» لمليارات الدولارات على الدعوة في الدول الإسلامية الفقيرة، بالتحذير من خطورة الامتناع عن أخذ التطعيم، أو حتى عمل شيء لوقف إصدار فتاوى تحرم أخذ التطعيم بحجة أن الصليبيين الكفرة يريدون حقننا بالجيلاتين.
يتضح من كل ما سبق أن أخطر أعدائنا هم نحن! وأن الخطر الحقيقي ليس على الحدود الخارجية، وإنما في الأمخاخ الداخلية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top