الهفوات والتجنيس الجائر

الجائر هو الذي يعتدي على حق غيره وينتهكه لمصلحته. ويسود الجور عندما نسكت عن هفوات من هم تحت رعايتنا، فسيشجعهم ذلك على ارتكاب الأخطاء، والسكوت عن الأخطاء سيدفعهم إلى ارتكاب الجنح ومن بعدها اقتراف الجرائم.
أكتب ذلك تعليقا على كل ما يدور من إشاعات وحقائق عن الاعتداءات التي وقعت، منذ ستين عاما تقريبا، وبالذات، بعد التحرير، على الهوية الوطنية، من خلال التصاعد غير المعقول في أعداد المواطنين، وتردي النوعية، سواء بالتوالد الطبيعي أو التجنيس العشوائي، وكل ذلك بسبب المنح والمزايا التي يحصل عليها كل من يمنح الجنسية الكويتية، ومنها دفع مبلغ 50 ديناراً عن كل طفل شهرياً، من دون سقف لعدد الأطفال، الأمر الذي شجع عشرات الآلاف على الزواج بأكثر من واحدة، للحصول على العلاوة لأنفسهم من خلال إنجاب أكبر عدد من الأبناء، وترك أمر تربيتهم للشارع. ولو لم توجد المزايا المادية والعلاج المجاني، والمواد المدعومة، وغياب الضرائب، لما فكر أحد في شراء الجنسية.
النائب المميز أحمد نبيل الفضل كان واضحا في كلمته التي ألقاها قبل ايام، عندما ذكر أن تزايد السكان في الكويت ارتفع، خاصة في السنوات من 2004 وحتى 2008 ليصل الى ما يقارب الـ%5 في الوقت الذي لا تزيد فيه نسبة التزايد السكاني على %3 بين أكثر الشعوب توالدا.
وسبقه في التطرّق إلى هذا الموضوع الخطير رئيس مجلس الأمة، ربما قبل توليه الرئاسة، عندما صرح في البرلمان بما يماثل ذلك، واتفق مع الفضل على أن عدد من حصلوا على الجنسية بطريقة غير سليمة يقارب ثلث سكان الكويت!
كما حذر وزير داخلية سابق قبل أيام من التلاعب في الهوية الوطنية، وحذَّر من التجنيس العشوائي.
ولو أحسنا الظن، وخفضنا عدد من تم تجنيسهم عشوائيا إلى النصف، أي 200 ألف! فهذا يعني أن هناك 200 ألف بطاقة مدنية جديدة صدرت لهم في فترات متقاربة، و200 ألف جواز سفر تقريبا، و200 الف جنسية، و200 ألف ملف في «الداخلية»، وسبق كل ذلك صدور مراسيم تشمل 200 ألف شخص، ونشر أسماء 200 ألف في الجريدة الرسمية، ورافق كل ذلك أكثر من مليوني توقيع على هذه المعاملات، من مختلف المسؤولين.. وكل هذا، حسب فهمي، يصعب وقوعه، من دون أن يثير فضول طرف ما!
وبالتالي، هناك احتمالان: إما أن السيدين، رئيس المجلس والنائب الفضل، على خطأ، وليس هناك تجنيس عشوائي، وإما أن هناك بالفعل شيئاً من هذا القبيل.
فإن كانا على حق، فما الذي منعهما، من تفعيل أدواتهما الدستورية، ومساءلة كل متورّط في الأمر، خاصة ان مصير الوطن وكامل هويته على المحك؟
وإن كانا على خطأ، فلم سكوت كل وزراء الداخلية السابقين، وكل الجهات المعنية الأخرى، بأمر التجنيس في الجوازات والجنسية والبطاقة المدنية والكويت اليوم وغيرها، عن نفي ما صدر عن المشرّعين؟ مع ضرورة قيام وزارة التخطيط بإثبات أن الزيادة في عدد السكان إما طبيعية، وليس هناك ما يدعو الى القلق، وإما خلاف ذلك!
من شبه المستحيل طبعا إعادة طلقة التجنيس العشوائي إلى مكانها، إن صحّت، ولكننا نريد فقط معرفة الحقيقة. كما نتمنى أن يكون هذا الأمر درسا للجميع، وأن يغلق باب كشوف التجنيس إلى الأبد، وقصر الأمر على المستحقين من «البدون»، أو من أدّوا خدمات جليلة بالفعل للوطن.
وفي السياق نفسه، أشير إلى الكلمة العاطفية للنائب عبدالله الرومي، تحت قبة البرلمان، عندما أورد اسم وزير أوقاف سابق، وذكر انه شارك مؤخرا في إعادة الجنسية الى البعض، ومنهم من عليه حكم بجريمة قتل، وأن ذلك قد يعني خضوع الحكومة لجهات محددة في مسألة إعادة جنسيات سبق أن سحبت. ولم يستطرد النائب ليقول إن عضو لجنة إعادة الجنسيات، الذي ذكر اسمه، والذي ربما استقال من منصبه كوزير أو أعفي، وغالبا بضغط سياسي خارجي، بسبب شبهات حامت حوله؛ ليصبح تاليا الأقرب إلى مركز اتخاذ القرار.
***
نتقدم بكل سرور بخالص التهنئة لأبناء الكنائس المسيحية الشرقية بالأعياد المجيدة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top