مقبرتا اليهود والمسيحيين في الكويت

أخبرني سفير مميز معتمد في إحدى الدول الأوروبية، كان في زيارة خاصة إلى الكويت قبل أيام، بأن حاخاماً كبيراً في عاصمة تلك الدولة، ومن أصدقاء العرب، طلب منه في لقاء ودي، بعد أن عرف أنه ينوي قضاء إجازته في وطنه، أن يبحث عن مقبرة الطائفة الموسوية في الكويت التي كانت تعيش فيها أقلية يهودية نشطة، فلا بد أن تكون لهم مقبرة أو مقابر، قبل تركهم للكويت وهجرتهم إلى العراق، وتالياً لإسرائيل، بعد تأسيسها في مايو 1948. وقال السفير إن الراباي على استعداد للصرف على ترميم المقبرة وتجديدها لما للموتى من أهمية لديهم، وطلب السفير مني مساعدته في الاستدلال على المقبرة.
بالاتصال مع بعض كبار المهتمين بتاريخ الكويت والتراث تجمَّعت لدي معلومات مهمة، فقد زودني المؤرخ والباحث في التراث الكويتي الأخ محمد جمال بخريطة تبين موقع مقبرة اليهود، التي كانت تقع مقابل الزاوية الجنوبية الشرقية من مقبرة مدوه الجنوبية، وعبر الشارع، إلا أنها – مع الأسف – أُزيلت وأصبحت من أملاك الدولة.
أما الباحث الآخر في التراث فرحان الفرحان فقد أخبرني أن مقبرة المسيحيين كانت تستخدم أيضاً في دفن موتى اليهود، وهي التي تقع في شارع خالد بن الوليد، غربي برج الخليجية.
ومن منطلق اهتمامي والسفير بالموضوع قررنا زيارة المقبرة، التي توقف الدفن فيها منذ عقود، بعد بناء مقبرة المسيحيين في الصليبخات. وبسبب اهتمام السفارة البريطانية بها فإنها لم تلقَ مصير المقابر القديمة نفسه، لأنها كانت تضم رفات الكابتن وليم شكسبير المقيم السياسي في الكويت (1915-1909) الذي قُتل في معركة جراب بين قوات ابن سعود وابن الرشيد، التي انتصر فيها الأخير. وقد دفع شكسبير حياته في تلك المعركة وقطع العثمانيون، حلفاء بن رشيد، رأسه وعلقوها على بوابة حائل كدليل على دعم البريطانيين لابن سعود، وجيء بعدها برفاته وملابسه وخوذته ودفنت في الكويت.
كان اتصال شكسبير بالملك عبدالعزيز بن سعود أول اتصال رسمي بريطاني به، وكان شكسبير شخصية فريدة، حيث كان يتحدث «الأردية» و«البشتو» و«الفارسية»، وكان فصيحاً في «العربية»، ويعتقد بعض المؤرخين أن العمر لو امتد به لتغيَّر وجه التاريخ في المنطقة.
تبيَّنت من زيارتنا إلى المقبرة، التي لا تزيد مساحتها على ألف متر، شواهدٌ لبضعة قبور لا تزيد على العشرة، أما البقية فقد ضاعت تقريباً آثارها، ويعود أقدمها إلى ما قبل 110 سنوات، ومنها لأرمني يحمل اسم صاموئيل بتاريان، تُوفي عام 1928، وشاهدٌ آخر لقبر الدكتور الأميركي المبشر شارلز ستانلي ميلري، الذي عالج الكثيرين في الكويت على مدى 28 عاماً، قبل أن يُتوفى في مايو 1952. وبالبحث أكثر في سيرته وجدت في الأرشيف البريطاني أنه دُفن في مقبرة «اليهود والمسيحيين»، وهذا تأكيد على صحة ما ذكره لي الزميل الفرحان، وربما استخدمت هذه المقبرة من قبل من تبقى من اليهود، بعد بدء هجرتهم، وزوال مقبرتهم القديمة، لكن التاريخ غير واضح هنا.
إن هذه المقبرة التي للسفارة البريطانية دورٌ حيويٌ في المحافظة عليها يتطلب من المجلس الوطني الاهتمام بها وتسلُّمها من بلدية الكويت، ومحاولة ترميمها، وتخليد أسماء من دُفنوا فيها على لوحة جدارية داخل المقبرة ليمكن لزائريها الاطلاع عليها، فهي من دون مبالغة من الآثار المسيحية النادرة في المنطقة، ودليل حيوي ومهم على جميل تسامحنا منذ القدم مع القريب والبعيد.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top